سورة الحجرات
مدنية وآياتها ١٨ نزلت بعد الجاثية
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
(سورة الحجرات) (لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ) فيه ثلاثة أقوال : أحدها لا تتكلموا بأمر قبل أن يتكلم هو به ، ولا تقطعوا في أمر إلا بنظره والثاني لا تقدموا الولاة بمحضره فإنه يقدم من شاء ، والثالث لا تتقدموا بين يديه إذا مشى ، وهذا إنما يجري على قراءة يعقوب لا تقدموا بفتح التاء والقاف والدال ، والأول هو الأظهر ؛ لأن عادة العرب الاشتراك في الرأي ، وأن يتكلم كل أحد بما يظهر له ، فربما فعل ذلك قوم مع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فنهاهم الله عن ذلك ، ولذلك قال مجاهد : معناه لا تفتاتوا على الله شيئا حتى يذكره على لسان رسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وإنما قال : بين يدي الله ؛ لأن النبي صلىاللهعليهوسلم إنما يتكلم بوحي من الله (لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِ) أمر الله المؤمنين أن يتأدبوا مع النبي صلىاللهعليهوسلم بهذا الأدب ، كرامة له وتعظيما ، وسببها أن بعض جفاة الأعراب كانوا يرفعون أصواتهم (أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ) مفعول من أجله تقديره : مخافة أن تحبط أعمالكم إذا رفعتم أصواتكم فوق صوته ، أو جهرتم له بالقول صلىاللهعليهوسلم ، فالمفعول من أجله يتعلق بالفعلين معا من طريق المعنى ، وأما من طريق الإعراب فيتعلق عند البصريين بالثاني وهو : (لا تَجْهَرُوا) وعند الكوفيين بالأول وهو (لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ) ، وهذا الإحباط ؛ لأن قلة الأدب معه صلىاللهعليهوسلم والتقصير في توقيره يحبط الحسنات وإن فعله مؤمن ، لعظيم ما وقع فيه من ذلك. وقيل : إن الآية خطاب للمنافقين وهذا ضعيف ، لقوله في أولها : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) وقوله : (وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) فإنه لا يصح أن يقال هذا لمنافق ، فإنه يفعله «جرأة» وهو يقصده.
(إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ) نزلت في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، فإنه لما نزلت الآية قبلها قال أبو بكر : والله يا رسول الله لا أكلمنك إلا سرا. وكان عمر يخفي كلامه حين يستفهمه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولفظها مع ذلك على