كل أمر مستقبل ، والثالث أنه استثناء بالنظر إلى كل إنسان على حدته ؛ لأنه يمكن أن يتم له الأمر أو يموت أو يمرض فلا يتم له ، والرابع أن الاستثناء راجع إلى قوله آمنين لا لدخول المسجد ، والخامس أن إن شاء الله بمعنى إذا شاء الله (مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ) الحلق والتقصير من سنة الحج والعمرة ، والحلق أفضل من التقصير ، لقول رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : رحم الله المحلقين ثلاثا ثم قال في المرة الأخيرة والمقصرين (١) (فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا) يريد ما قدره من ظهور الإسلام في تلك المدّة ، فإنه لما انعقد الصلح ، وارتفعت الحرب ورغب الناس في الإسلام ، فكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم في غزوة الحديبية في ألف وخمسمائة ، وقيل ألف وأربعمائة وغزا غزوة الفتح بعدها بعامين ومعه عشرة آلاف (فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً) يعني فتح خيبر ، وقيل بيعة الرضوان وقيل صلح الحديبية ، وهذا هو الأصح لأن عمر قال لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : أفتح هو يا رسول الله؟ قال نعم. وقيل : هو فتح مكة وهذا ضعيف ، لأن معنى قوله : من دون ذلك قبل دخول المسجد الحرام ، وإنما كان فتح مكة بعد ذلك ، فإن الحديبية كانت عام ستة من الهجرة وعمرة القضية عام سبعة ، وفتح مكة عام ثمانية (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) ذكره في براءة [٣٣] (وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) أي شاهدا بأن محمدا رسول الله ، أو شاهدا بإظهار دينه.
(وَالَّذِينَ مَعَهُ) يعني جميع أصحابه وقيل : من شهد معه الحديبية ، وإعراب الذين معطوف على محمد رسول الله صفته وأشداء خبر عن الجميع ، وقيل : الذين معه مبتدأ وأشداء خبره ورسول الله خبر محمد ورجح ابن عطية هذا. والأول عندي أرجح ؛ لأن الوصف بالشدة والرحمة يشمل النبي صلىاللهعليهوسلم وأصحابه ، وأما على ما اختاره ابن عطية ؛ فيكون الوصف بالشدة والرحمة مختصا بالصحابة دون النبي صلىاللهعليهوسلم ، وما أحق النبي صلىاللهعليهوسلم بالوصف بذلك لأن الله قال فيه : (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) [براءة : ١٢٨] ، وقال (جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) [براءة : ٧٣ ، والتحريم : ٩] فهذه هي الشدة على الكفار والرحمة بالمؤمنين (سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ) السيما العلامة وفيه ستة أقوال ، الأول أنه الأثر الذي يحدث في جبهة المصلى من كثرة السجود والثاني أنه أثر التراب في الوجه الثالث أنه صفرة الوجه من السهر والعبادة ، الرابع حسن الوجه لما ورد في الحديث [من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار] (٢) وهذا الحديث غير صحيح ، بل وقع فيه غلط من الراوي فرفعه إلى النبي صلىاللهعليهوسلم وهو غير مروي عنه ، الخامس أنه الخشوع ، السادس : أن ذلك يكون
__________________
(١). الحديث رواه ابن عمر وأخرجه أحمد في مسنده ج ٢ ص ١٦٠.
(٢). الحديث أعلاه ذكره المناوي في التيسير وعزاه لابن ماجة عن جابر ثم قال : إن موضوع.