يعني رحمة للمؤمنين الذين كانوا بين أظهر الكفار ، بأن كف سيوف المسلمين عن الكفار من أجلهم أو رحمة لمن شاء من الكفار بأن يسلموا بعد ذلك ، واللام تتعلق بمحذوف يدل عليه سياق الكلام تقديره : كان كف القتل عن أهل مكة ليدخل الله في رحمته من يشاء (لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا) معنى تزيلوا تميزوا عن الكفار ، والضمير للمؤمنين المستوري الإيمان ، أي لو انفصلوا عن الكفار لعذبنا الكفار فقوله : لعذبنا جواب لو الثانية ، وجواب الأولى محذوف كما ذكرنا ، ويحتمل أن يكون لعذبنا جواب لو الأولى ، وكررت لو الثانية تأكيدا (إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ) يعني أنفة الكفر وهي منعهم للنبي صلىاللهعليهوسلم والمسلمين عن العمرة ، ومنعهم من أن يكتب في كتاب الصلح بسم الله الرحمن الرحيم ، ومنعهم من أن يكتب محمد رسول الله ، وقولهم : لو نعلم أنك رسول الله لاتبعناك ، ولكن اكتب اسمك اسم أبيك ، والعامل في إذ جعل محذوف تقديره : اذكر أو قوله لعذبنا والسكينة هي سكون المسلمين ووقارهم حين جرى ذلك (وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى) قال الجمهور هي : لا إله إلا الله ، وقد روي ذلك عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وقيل : لا إله إلا الله محمد رسول الله وقيل : لا إله إلا الله والله أكبر ، وهذه كلها متقاربة وقيل : هي بسم الله الرحمن الرحيم التي أبى الكفار أن تكتب (وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها) أي كانوا كذلك في علم الله وسابق قضائه لهم ، وقيل : أحق بها من اليهود والنصارى.
(لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِ) كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم قد رأى في منامه عند خروجه إلى العمرة ؛ أنه يطوف بالبيت هو وأصحابه بعضهم محلقون وبعضهم مقصرون ، وروي أنه أتاه ملك في النوم فقال له : لتدخلن المسجد الحرام الآية : فأخبر الناس برؤياه : ذلك ، فظنوا أن ذلك يكون في ذلك العام ، فلما صده المشركون عن العمرة عام الحديبية قال المنافقون : أين الرؤيا ، ووقع في نفوس المسلمين شيء من ذلك ، فأنزل الله تعالى : لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق أي تلك الرؤيا صادقة ، وسيخرج تأويلها بعد ذلك ، فاطمأنت قلوب المؤمنين وخرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم في العام المقبل ، هو وأصحابه فدخلوا مكة واعتمروا ، وأقاموا بمكة ثلاثة أيام ، وظهر صدق رؤياه وتلك عمرة القضية [القضاء] ثم فتح مكة بعد ذلك ، ثم حج هو وأصحابه ، وصدق في هذا الموضع يتعدى إلى مفعولين ، وبالحق يتعلق بصدق ، أو بالرؤيا على أن يكون حالا منها (إِنْ شاءَ اللهُ) لما كان الاستثناء بمشيئة الله يقتضي الشك في الأمر ، وذلك محال على الله ، اختلف في هذا الاستثناء على خمسة أقوال : الأول أنه استثناء قاله الملك الذي رآه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في المنام ، فحكى الله مقالته كما وقعت والثاني : أنه تأديب من الله لعباده ليقولوا إن شاء الله في