قلنا عمن كان كريما ببذل اللباس والإبل كثير الرماد لم يكن مستحسنا. ويتحصل من هذا أنه يجب حفظ المناسبة بين اللازم والملزوم في باب الكناية بأن يكون المراد من اللازم لا يزيد عن حدود الملزوم. فيكون قولنا (كثير الرماد) كناية عن الكرم ببذل ما تنضجه النار ذات الرماد لا عن جميع أصناف الكرم بل ولا عن بذل ما يطبخ بواسطة الكهرباء والغاز ونحوهما وكذلك ما نحن فيه ، فإن لازم (الأخذ) وهو الاستيلاء ، يصدق على الأعيان والمنافع ، ولكن ملزومه مختص بالأعيان ولا يحسن أن يراد باللازم ما لا يتناسب مع ملزومه (١). وحكاه الاستاذ عن مكاسب الشيخ رحمهالله في ثالث أحكام المقبوض بالعقد الفاسد ولم نجده ، بل الموجود فيه ما لفظه (ودعوى أنه كناية عن مطلق الاستيلاء الحاصل في المنافع كقبض الأعيان مشكلة) ولعل الاستاذ ذكر ذلك وجها للأشكال. وفيه أن ما ذكر من الاستبشاع لو سلمناه في مثال الرماد ، فلا نسلمه فيما نحن فيه. والشاهد الذوق ، بل حمله على القبض باليد بمعنى العضو ، مما لا يستسيغه الذوق الأدبي. مضافا إلى أننا نتسالم معا على إرادة الاستيلاء. وقد عرفت آنفا إن الاستيلاء يختلف باختلاف المستولي وباختلاف المستولى عليه ..
ثم أنه ادعي امكان اختصاص الحديث بالأعيان ، وقرب بوجوه.
أولها : إن المنافع لا تدخل تحت اليد. وهب إنها تدخل تحتها تبعا لدخول العين تحتها ، إلا ان دخول الحر تحتها مشكل ، لأن المراد باليد السلطنة ، ولا سلطنة على الأحرار (٢).
وفيه : إن مرجعه إلى نفي تحقق عنوان الأخذ بالنسبة للمنافع ، وقد عرفت آنفا إن الأخذ عبارة عن الاستيلاء ، وإن الاستيلاء يكون على الأعيان والمنافع. وأما منافع الحر فلها حديث آخر ، أوضحناه مستوفى في (مكاسب الفقيه) ، في الأمر السادس من موضوع هذه المسألة (٣).
__________________
(١) هذا مدون منذ سنة ١٣٥٩ ه ، والظاهر أنه من فوائد الدرس.
(٢) فيه أنه أن أريد بالسلطنة السلطنة الشرعية ، فهي أيضا منتفية عن المغصوب وما هو بحكمه ، وإن أريد بها السلطنة الخارجية فحال الحر المستضعف حال العبد المغصوب والدابة المغصوبة.
(٣) كتاب مخطوط للمؤلف.