التي قيلت في مواضعها ، فعليك بها.
وأما المسألة الثالثة ، وهي : تكرير الأفعال بلفظ المستقبل حين أخبر عن نفسه وبلفظ الماضي حين أخبر عنهم.
ففي ذلك سر ، وهو الإشارة والإيماء إلى عصمة الله لنبيه عن الزيغ والانحراف عن عبادة معبوده ، والاستبدال به غيره ، وأن معبوده الحق واحد في الحال والمآل على الدوام ، لا يرضى به بدلا ، ولا يبغي عنه حولا ، بخلاف الكافرين فإنهم يعبدون أهواءهم ، ويتبعون شهواتهم في الدين وأغراضهم. فهم بصدد أن يعبدوا اليوم معبودا ، وغدا غيره. فقال : (لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ) يعني الآن (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) أي الآن أيضا. ثم قال : (وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ) يعني ولا أنا فيما يستقبل يصدر مني عبادة لما عبدتم أيها الكافرون ، وأشبهت «ما» هنا رائحة الشرط ، فلذلك وقع بعدها الفعل بلفظ الماضي ، وهو مستقبل في المعنى ، كما يجيء ذلك بعد حرف الشرط ، كأنه يقول : مهما عبدتم من شيء فلا أعبده أنا.
فإن قيل : وكيف يكون فيها الشرط ، وقد عمل فيها الفعل ، ولا جواب لها وهي موصولة. فما أبعد الشرط منها؟.
قلنا : لم نقل : إنها نفسها شرط ، ولكن فيها رائحة منه ، وطرف من معناه لوقوعها على غير معين وإبهامها في المعبودات وعمومها ، وأنت إذا ذقت معنى هذا الكلام وجدت معنى الشرط باديا على صفحاته. فإذا قلت لرجل مّا ـ تخالفه في كل ما يفعل ـ : أنا لا أفعل ما تفعل. ألست ترى معنى الشرط قائما في كلامك وقصدك ، وأن روح هذا الكلام : مهما فعلت من شيء فإني لا أفعله؟.
وتأمل ذلك من مثل قوله تعالى : (قالُوا : كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا؟) كيف تجد معنى الشرطية فيه؟ حتى وقع الفعل بعد «من» بلفظ الماضي ، والمراد به المستقبل ، وأن المعنى : من كان في المهد صبيا