قلت : المعنى : لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر إيمانا كاملا ، فإنهم كفروا بالقرآن ، وبما جاءت به الرسل من عند الله ، وكذّبوا بالبعث على الوجه الذي أخبرت به رسل الله ، وجاءت به كتبه ، وقالوا : لا تبعث الأجساد ، ولا ينعّم أهل الجنة بالأكل ، والشرب ، والنكاح ، فكأنهم لم يؤمنوا.
فإن قيل : قد نطقت الآية التي قبلها أنهم يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ، فكيف وصفهم في هذه الآية بأنهم ينفقون أموالهم؟
قلت : ليجمع لهم الذم بكل طريق ، فأخبر عنهم بأنهم جمدوا في الحق حتى بخلوا ، وأمروا بالبخل غيرهم ، فكانوا كما قيل :
وإن امرءا ضنّت يداه على امرئ |
|
بنيل يد من غيره لبخيل (١) |
ودأبوا في الباطل حتى أنفقوا أموالهم فيه رياء وسمعة ، واستمالة للناس عن اتباع الهدى.
فإن قيل : ما إعراب قوله : (وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ)؟
قلت : إن كان معطوفا على (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ) فإعرابه النصب ، أو الرفع ، وإن كان معطوفا على قوله : «وللكافرين» فإعرابه الجر (٢) ، وبهذا البيان يتضح لك مقاطع الكلام ومواضع الوقف ، فتفهّم ذلك.
قوله : (وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً) هو من قولك : قرنت الشّيء بالشّيء ؛ إذا وصلته به (٣).
__________________
(١) البيت لأبي تمام. انظر : الكشاف (١ / ٥٤٢).
(٢) انظر : التبيان (١ / ١٨٠).
(٣) انظر : اللسان ، مادة : (قرن).