وقد اختلفت الرواية عن الإمام أحمد رضي الله عنه في الحكمين ، فروي عنه أنهما وكيلان ، فعلى هذا يعتبر رضا الزوجين فيما يحكمان به ، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه ، ولأن بذل المال حق للزوجة ، والطلاق حق للزوج ، فاعتبر رضاهما فيه ، كسائر حقوقهما.
وروي عنه : أنهما حكمان ، وهو قول مالك ، والشافعي ، في أحد قوليه (١) ، لأن الله سمّاهما حكمين ، ولأن اعتبار رضاهما ربما أفضى إلى دوام الشقاق ، فتنتفي الحكمة المطلوبة من شرعية التحكيم.
فعلى هذه الرواية : للحكمين أن يجمعا إن رأيا ، أو يفرّقا ، فما فعلا من ذلك لزمهما ، وإن لم يرضيا.
وتشترط عدالة الحكمين ، على الروايتين معا ، لأن المقصود الإصلاح. والفاسق غير مأمون ، فإنه بعرضية الإفساد ، جريا مع هواه وأغراضه الفاسدة.
ويجوز أن يكونا عبدين وعامّيين ، إذا قلنا : هما وكيلان ، وإن قلنا : هما حكمان ، اشترط فيهما ما يشترط في الحاكم من الحرية والعلم وغير ذلك.
(إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً) بتدبير الحكمين ، (خَبِيراً) بأمر الزوجين.
(وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ
__________________
(١) انظر : بدائع الصنائع (٢ / ٣٣٤) ، والتاج والإكليل (٤ / ١٧) ، ومغني المحتاج (٣ / ٢٦١) ، والمغني (٧ / ٢٤٣ ـ ٢٤٤).