عليكم جناح أن تأكلوا من بيوتكم" (١)» (٢).
وهذا عند الفقهاء ليس من باب الناسخ والمنسوخ كما قررناه فيما مضى.
قوله : (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) قال ابن عباس : لا يقتل بعضكم بعضا (٣) ، وهذا مثل قوله : (فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) [البقرة : ٥٤].
وقيل : هو على ظاهره ، نهاهم سبحانه وتعالى أن يقتلوا أنفسهم بطريق المباشرة أو السبب ، ويؤيد هذا حديث عمرو بن العاص قال : «احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل (٤) ، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك ، فتيمّمت ، ثمّ صلّيت بأصحابي الصّبح فذكر ذلك للنبي صلىاللهعليهوسلم فقال : يا عمرو! صلّيت بأصحابك وأنت جنب؟ فقلت : يا رسول الله ، إنّي سمعت الله يقول : (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً) ، فضحك رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولم يقل شيئا» (٥).
__________________
(١) كذا في الأصل وسنن أبي داود ، وصواب الآية في سورة النور : (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ ..). الآية [النور : ٦١].
(٢) أخرجه أبو داود (٣ / ٣٤٣ ح ٣٧٥٣). وانظر دعوى النسخ في : الناسخ والمنسوخ لابن سلامة (ص : ٧٢ ـ ٧٣) ، والناسخ والمنسوخ لابن حزم (ص : ٣٣ ـ ٣٤) ، ونواسخ القرآن لابن الجوزي (ص : ٢٧١ ـ ٢٧٣).
(٣) ذكره الماوردي (١ / ٤٧٥) من قول عطاء والسدي ، والواحدي في الوسيط (٢ / ٣٨) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٢ / ٦١).
(٤) ذات السلاسل : موضع معروف بناحية الشام في أرض بني عذرة ، قال ابن هشام : سار عمرو بن العاصي رضي الله عنه حتى إذا كان على ماء بأرض جذام يقال له : السلسل ، وقال : وبذلك سميت تلك الغزوة ذات السلاسل ، وكانت في جمادى الآخرة سنة ثمان من الهجرة (تهذيب الأسماء واللغات ٣ / ١٠٧ ـ ١٠٨).
(٥) أخرجه أبو داود (١ / ٩٢ ح ٣٣٤) ، وأحمد (٤ / ٢٠٣).