وقيل : إنه على ملاطفة الخطاب لمن لا يعلم. كقولك لمن ينكر ذوب الذهب : فلينفخ عليه بالنار ، ليعلم أيذوب؟ قال كثير :
١٣٨ ـ تعال فاستنصف ليعلم أينا |
|
على عدوان الدار والنأي أوصل |
١٣٩ ـ أمسته زرق العينين بالشرب لودعا |
|
بعبرته الأروى لظلت تنزل |
١٤٠ ـ أم السادر اللاهي الذي جلّ همه |
|
إذا ما جلا مزاولة التكحل (١) |
وقيل : المعنى لكي يكون الموجود كما نعلم ؛ لأنّ الموجود لا يخالف معلومه عزوجل ، فتعلق الموجود بالمعلوم أشد من تعلق المسبب بالسبب.
(قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ). (١٤٤)
سببه أنّ الله كان أخبره بتحويل قبلة بيت المقدس (٢) ، وكان يقلّب الوجه تشوقا للوحي ، وتوقعا لا تحريا للهوى وتتبعا ، إذا كان يقينا عنده صلىاللهعليهوسلم أنّ الخير والصلاح فيما يؤمر به ، لا فيما يهواه أو يكرهه.
ـ وعن ابن عباس أنّه كان يحب التوجيه إلى الكعبة لا عن هوى النفس ، ولكن لأنها قبلة العرب ، فيكون في التحويل إليها توفر دواعي العرب إلى الإيمان ، ومباينة اليهود ولا سيما المنافقين منهم ، إلا أنّه كان يقلّب وجهه. ولم يكن يدعو به لأنّ الأنبياء لا يدعون إلا بعد أن يؤذن لهم ، لئلا يكون ردّهم إذا خالف دعاؤهم جهة المصلحة فتنة لقومهم.
(شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ).
__________________
(١) الأبيات ليست في ديوانه وفيها اضطراب.
(٢) أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله : (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها) قال : هو يومئذ يصلي نحو بيت المقدس ، وكان يهوى قبلة نحو البيت الحرام ، فولاه الله قبلة كان يهواها ويرضاها (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) ، قال : تلقاء المسجد الحرام. انظر تفسير الطبري ٣ / ١١٣.