لأمرهم في دراسة
علم الأصول ، وحفظا لأوقاتهم الثمينة عن التضييع فيما لا يعنيهم ، فقصدت القربة
وأقدمت على التأليف مع ضيق الباع وقلة الاطلاع والمرجو من الرب الكريم أن يتقبل
ذلك بقبول حسن ويثيبني عليه ثوابا جميلا ، ويأجرني ومن يراجعه ويستفيد منه أجرا
جزيلا فإنه أهل لذلك وهو ولي التوفيق.
وينبغي قبل الورود
في المقصود من تقديم أمر هام وهو أنه قد وردت في شرف العلم وفضله والثناء عليه
ومدحه وحمد طالبيه وإطراء حامليه ، أخبار كثيرة وأحاديث غفيرة تبلغ حد التواتر بل
تزيد عليه بكثير ، إن تريدوها لا تحسبوها وإن تعدوها لا تحصوها. فنذكر هنا نبذا
يسيرا ، ونزرا قليلا تشرفا بنقلها وتيمنا بذكرها.
وليعلم قبل ذلك أن
المراد من العلم الذي كثر الحثّ في تلك الأخبار على تحصيله والترغيب في تعلمه
وتعليمه حتى إنه عدّ من أعلا الفرائض وأغلاها ، وأشرف الذخائر وأسماها ، إنما هو
علم الدين وفقه الشريعة من أصولها الاعتقادية وقوانينها الأخلاقية وفروعها العملية
، فهي المتصفة بالشرف والفضيلة والممدوحة بمدائح جميلة كقوله «عليهالسلام» «بالعلم حياة القلوب ونور الأبصار من العمى ، بالعلم يطاع
الله ويعبد وبالعلم يعرف الله ويوحّد ، وبالعلم توصل الأرحام ، وبه يعرف الحلال من
الحرام ، وإنه السبب بينكم وبين الله ، وإنه لا خير في دين لا تفقه فيه ، وإن
ذخيرة العلم اجتناب الذنوب ، وإن تعلم العلم حسنة ومدارسته تسبيح ، لأنه معالم
الحلال والحرام ، وإن بالعلم تحسن خدمة ربك» إلى غير ذلك مما ستسمعه.
وأما العلوم
المتداولة الدارجة ، والفنون المتعارفة الرائجة في هذه الأعصار فإن كان الغرض منها
تحصيل المعاش الحلال ، وتوسعة الرزق ، وعمارة الأرض والبلاد ، والخدمة للعباد ،
فهي لدى الشرع ومشرعه كسائر صنوف تحصيل المعاش والمكاسب والتجارات حلال محلل
وممدوح محمود ، تشمله الأدلة الدالة على محبوبية طلب الحلال وتوسعة المعاش وإعانة
الضعفاء وحفظ نظام المجتمع والمعاونة على رفاههم ، كل ذلك بشرطها وشروطها.
وإن كان الغرض
مجرد الدنيا وجعلها مقدمة لتحصيل الثروة وحيازة المقام والترأس على ضعفة العباد
وتوسعة السلطة على الملك والبلاد ، وإشباع القوى البهيمية