وجود مانع من موانعه فيدرك العقل حسنه وقبحه لإدراكه الملاك ولا يحكم الشارع بوجوبه وحرمته لأجل الموانع ولهذه الدعوى شواهد في موارد :
منها : أفعال الصبي المقارن للبلوغ ، فإنه لا إشكال في أن صدقه في الكلام ووفاءه بالعهد وإنقاذه الغريق وإنجاءه الحريق مشتملة على مصالح تلك الأفعال الثابتة في حق البالغين الكاملين ، وأن كذبه وخيانته وقتله النفوس وإغارته على الأموال مشتملة على المفاسد كذلك. فيدرك العقل في هذه الموارد حسنها وقبحها مع أن الشارع لم يلزمه إيجابا وتحريما ، بل الواجبات في حقه مستحبات والمحرمات في حقه مكروهات فأين قولهم كلما حكم العقل بحسنه حكم الشرع بوجوبه فظهر الانفكاك بين الحكمين.
ومنها : موارد الواجبات المهمة عند تزاحمها مع ما هو أهم منها ، كالصلاة المزاحمة بإزالة النجاسة أو كإنقاذ الغريق المهم المزاحم مع الإنقاذ الأهم ، فإنه لا حكم إلزامي حينئذ للمهم مع كونه واجدا للملاك الملزم ، فالعقل يدرك الحسن والشارع لا يحكم بالوجوب إذا فلا ملازمة بين الحكمين.
ومنها : جل الأحكام الواجبة والمحرمة في بدء حدوث الشرع فإن عدم استعداد العباد حينئذ للتحريم والإيجاب لقرب عهدهم من الإسلام بحيث ربما كان يوجب بعثهم على الأحكام على نحو الحتم والإلزام نفرتهم عن دين الإسلام ، فلم يكن يلزمهم الشارع ، مع أن حكم العقل بالحسن والقبح كان على حاله.
ومنها : بعض موارد الحكم الإرشادي كوجوب الإطاعة للأوامر والنواهي وحرمة المخالفة لها فإن عنوان الإطاعة مما يحكم العقل بحسنه وعنوان العصيان مما يحكم العقل بقبحه ، مع أنه لا إلزام فيهما شرعا إما للغوية ذلك أو لاستلزامه التسلسل أو غير ذلك.
وأما المسألة الثانية : أعني قاعدة كلما حكم به الشرع حكم به العقل ، فالظاهر من الأصحاب تماميتها وصحتها وكونها مقبولة عند الجل لو لا الكل ، فإن معناها كل فعل حكم الشرع بوجوبه لاشتماله على المصلحة الملزمة ، أو حكم بحرمته لاشتماله على المفسدة الملزمة لو أدرك العقل ذلك الملاك فلا جرم يحكم بحسن الأول وقبح الثاني وهذا ظاهر.