وقد قطع الله العذر في المهاجرة عن بلاد لا يتمكّن فيها من شعائر الدّين في مواضع من القرآن :
منها قوله (يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ) (١) قال الطبرسيّ في مجمع البيان (٢) بيّن تعالى أنّه لا عذر في ترك طاعته فقال يا عبادي الآية فاهربوا
__________________
ـ أي هي مأخوذة من قبائل شتى فوسمها غير مشقة ونجارها غير متفق ، وهذا الوجه يعود الى معنى الوجه الأول ، لأن المراد ان المسلم والمشرك لا يجوز اجتماعهما في دار حتى يجتمع أذوادها في الريحى وأورادها في الورد ، فقوله عليهالسلام على هذا الوجه لا يتراءى ناراهما : أى لا يختلط وسماهما.
وأما الحديث الأخر وهو قوله عليهالسلام «لا تستضيئوا بنار أهل الشرك» فقيل ان المراد لا تستشيروهم في أموركم فتعملوا بآرائهم ، فترجعوا إلى أقوالهم وهذا أيضا مجاز آخر ، لانه عليهالسلام شبه الاسترشاد بالرأي بالاستضواء بالنار إذ كان فعله كفعلها في تبيين المبهم وتنوير المظلم انتهى كلام الشريف الرضى قدسسره.
وأخرج الحديث مثل ما نقله الشريف الرضى ابن الأثير في النهاية كلمة (رأى) وابن منظور في اللسان ج ١٤ ص ٣٠٠ ط بيروت وأبو عبيد القاسم بن سلام في غريب الحديث ج ٢ ص ٨٨ وفي الأخير : ويقال ان أول هذا أن قوما من أهل مكة أسلموا وكانوا مقيمين بها على إسلامهم قبل فتح مكة ، فقال النبي (ص) هذه المقالة فيهم ثم صارت للعامة انتهى.
ثم الترائي تفاعل من الرؤية يقال ترائي القوم إذا رأى بعضهم بعضا ، وترائينا فلانا أى تلاقينا فرأيته ورآني ، والأصل في تراءى تتراءى فحذفت احدى التائين تخفيفا.
ثم في اللسان نقل الوجه الأخير الذي بينه الرضى عن أبى الهيثم ففيه : وقال أبو الهيثم في قوله لا تراءى ناراهما : أى لا يتسم المسلم بسمة المشرك ولا يتشبه به في هديه ولا يتخلق بأخلاقه من قولك ما نار بعيرك أى ما سمة بعيرك انتهى.
(١) العنكبوت : ٥٦.
(٢) انظر المجمع ج ٤ ص ٢٩ وحديث أبى عبد الله إذا عصى الله في أرض إلخ أيضا مروي فيه.