من المزدلفة كالعرب المترفّعين ، فيكون الأوّل صوابا والثاني خطأ.
ويحتمل على بعد أن يكون الأمر بالذكر دالّا على أنّه بعد الإفاضة فيكون أمرا بالإفاضة على الإطلاق ثمّ قيّدها بقوله (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ) أي على الوجه المشروع ، وفيه تنبيه على أنّ الإفاضة قسمان متفاوتان ، وأنّ التفاوت إنّما نشأ من تقييد المطلق.
فكأنّه قال : أفيضوا! ثمّ لتكن إفاضتكم من عرفات ، ولا تكن من المزدلفة كما يفعله العرب المترفّعون ، وفيه ما فيه ، وقد اعترف صاحب الكشف بأنّ هذا الموضع من أمّهات معاضل الكشّاف.
وعلى هذا الوجه يكون في الآية دلالة على وجوب الوقوف بعرفة ، لأنّ وجوب الإفاضة إنّما يكون بعد كون مّا ، وهو المراد بالوقوف المعتبر المجزئ في الحجّ ، فإنّه مسمّاه وإن كان الواجب هو الكون في جميع الزّمان على ما علم بيانه من الأدلّة.
(وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ) واطلبوا منه المغفرة لذنوبكم الّتي فعلتموها بالندم على ما سلف منها والعزم على أن لا تقربوها فيما بعد (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ) كثير المغفرة (رَحِيمٌ) أي واسع الرحمة ، فيغفر ذنوب التائبين الطّالبين للمغفرة منه ، ويحتمل أن يكون المراد الاستغفار بالمشعر أو في طريقه أو في عرفة كما تشعر به الرّواية السالفة ، وكيف كان فالأمر محمول على الاستحباب ، لعدم ظهور القائل بوجوبه ، ويحتمل أن يكون المراد به الذكر الواجب المفهوم (١) من قوله (فَاذْكُرُوا اللهَ) وفيه بعد ، ولو حملناه على أنّ المراد التوبة عن المعاصي كما قلناه أوّلا فالأمر للوجوب قطعا ، إذ التوبة عنها واجبة على الفور كما بيّن في محلّه.
الخامسة : (فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ
__________________
(١) المعهود خ.