الشيخ أنّه أبطل الحجّ بالارتداد ، وضعّفه الأصحاب ، وحينئذ فما وقع من الإحباط بالارتداد مطلقا يكون مقيّدا بالموت كما وقع في هذه الآية حملا للمطلق على المقيّد وإلى ذلك يذهب الشّافعيّة أيضا ، وأطلق الحنفيّة إبطال العمل بالارتداد ، وإن رجع إلى الإسلام ، وظاهر الآية حجّة عليهم ، وخصوصا مع قولهم بالمفهوم كما هو مذهبهم.
ويتفرّع على ذلك فروع كثيرة منها أنّه لو توضّأ ثمّ ارتدّ ثمّ عاد إلى الايمان لم يجب عليه تجديد الطّهارة إن اعتبرنا في الإحباط الموت على الردّة ، وإلّا فلا ، هذا.
ومقتضى الآية قبول توبة المرتدّ مطلقا ، أي سواء كان ارتداده عن فطرة أو ملّة وعلى هذا أكثر أصحابنا ، وقد يظهر من بعضهم عدم قبول توبة الفطريّ لوجوب قتله المانع من قبول توبته ، وهو ضعيف ، لأنّه لم يخرج عن درجة التّكليف بالعبادات والإيمان ، ويستحيل التكليف من دون قبول التوبة ، وإلّا كان تكليفا بالمحال ، ولا معنى لقبول توبته إلّا صحّة عباداته ، وإثابته عليها ، واستحقاقه الجنّة بها في الآخرة وعدم سقوط بعض الأحكام مثل القتل عنه لدليل شرعيّ اقتضاه لا ينافي عدم القبول.
ومن هنا يظهر أنّ القول بالنّجاسة مع التّوبة بعيد ، إذ لا معنى لنجاسته مع القول بصحّة عباداته المشروطة بالطّهارة ، إلّا أن يقال ذلك بالنّسبة إلى غيره وبالنّسبة إلى نفسه هو طاهر ، وفيه بعد ، وأبعد منه حمل الآية وأمثالها على المرتدّ الملّي نظرا إلى أنّها واردة في أوّل الإسلام ، ولم يعهد هناك مسلم فطريّ فيكون الأحكام مخصوصة بهم ، لأنّ المناط ظاهر اللّفظ دون خصوص السّبب ، فإنّه لا دخل له في التّخصيص عند المحقّقين ، وخلوّ الأخبار عن ذلك دليل سقوطه.
ثمّ إنّه قد تكرّر في مواضع كثيرة من القرآن العزيز الإحباط والتكفير كقوله تعالى (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) (١) و (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) (٢) ونحوها وتظافرت الأخبار به كما روي أنّ شرب الخمر يحبط
__________________
(١) النساء : ٣١.
(٢) الزمر : ٦٥.