(وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ) إخبار عن دوام عداوة الكفّار لهم واستمرارهم عليها ، فإنّهم لا ينفكّون عنها حتّى يردّوهم عن دينهم (إِنِ اسْتَطاعُوا) استبعاد لاستطاعتهم كقول الواثق بقوّته إن ظفرت بي فلا تبق عليّ ، وفيها إيذان بأنّهم لا يردّونهم.
(وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) أي صارت باطلة كأن لم يكن ولم ينتفعوا بها (فِي الدُّنْيا) لبطلان ما تخيّلوه وفوات ما للإسلام من الفوائد الدّنيويّة (وَالْآخِرَةِ) بسقوط الثواب يوم القيمة (وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) كسائر الكفرة.
وفيها دلالة على أنّ الارتداد إنّما يحبط العمل مع الموت على الردّة وهو قول أصحاب الموافاة ، فإنّهم شرطوا في ثبوت الايمان والكفر حصول الموافاة ، فالإيمان لا يكون إيمانا إلّا إذا مات المؤمن عليه ، والكفر لا يكون كفرا إلّا إذا مات الكافر عليه فلو رجع إلى الايمان وتاب عمّا صدر منه لم يكن عمله محبطا.
وبيانه أنّ من كان مؤمنا ثمّ ارتدّ ـ والعياذ بالله ـ فلو كان ذلك الايمان الظّاهري الّذي كنّا نظنّه إيمانا في الحقيقة ، لكان قد استحقّ عليه الثواب الأبديّ فإمّا أن يبقى الاستحقاقان وهو محال وإمّا أن يكون الطاري مزيلا للسّابق وهو أيضا محال ، لأنّهما متنافيان ، وليس أحدهما أولى بالتّأثير من الآخر بل السّابق بالدّفع أولى من اللّاحق بالرّفع ، لأنّ الدّفع أسهل من الرّفع ، وأيضا شرط طريان الطّاري زوال السّابق ، فلو علّلنا زوال السّابق بطريان الطّاري لزم الدّور فتعيّن أنّ الإيمان لا يكون إيمانا إلّا إذا مات عليه.
وعلى هذا أصحابنا ، وهو المعهود من مذهبهم [ويلزم من ذلك أنّ المسلم إذا صلّى ثمّ ارتدّ ثمّ أسلم في الوقت أنّه لا يعيد الصّلوة لأنّ حبط العمل مشروط بالموت على الكفر ، ولم يوجد الشّرط فلا يكون عمله محبطا ، فلا قضاء عليه (١)] نعم ينقل عن
__________________
(١) زيادة من : سن.