.................................................................................................
______________________________________________________
الواقع ، والمقصود
فيما نحن فيه إثبات الإباحة الظاهرية لمجهول الحكم بحسب الواقع.
وربّما يتمسّك في
المقام أيضا بقوله تعالى : (إِنَّا هَدَيْناهُ
السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً.) وقوله سبحانه : (وَأَمَّا ثَمُودُ
فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى.) وقوله جلّ ذكره : (خَلَقَ لَكُمْ ما فِي
الْأَرْضِ جَمِيعاً.)
وتقريب الدلالة في
الأوليين منها : أنّه تعالى رتّب الشكر والكفران فيها على الهداية ، فلا شكر ولا
كفران إلّا بعد الهداية.
وفيه : أنّ المعنى
في الاولى : أنّا فعلنا ذلك يعني : الهداية ـ سواء كانوا بعد ذلك شاكرين أم
كافرين. وفي الثانية : أنّا هدينا ثمود ، وهم اختاروا العمى ـ يعني : الغواية
والضلال ـ على الهدى. ولا دلالة فيها على وجوب الهداية قبل الضلال ، لكونهما إخبارا
عن وقوع ذلك فيما سلف لا بيانا لوجوب الهداية قبل الضلال.
وأمّا الثالثة ،
فوجه الدلالة فيها : أنّ اللام يقتضي الاختصاص بجهة الانتفاع ، فهي تدلّ على إباحة
جميع ما يمكن الانتفاع به بنحو من أنحاء الانتفاع.
وفيه : أنّها أخصّ
من المدّعى ، لأنّ ما في الأرض على أقسام : منها ما لا منفعة فيه ظاهرا ، ومنها ما
له جهة منفعة واحدة ، ومنها ما له منافع متعدّدة ، مثل الأكل واللبس ونحوهما. وهذا
أيضا على قسمين : قسم منافعه مختلفة في الظهور والخفاء ، فبعضها ظاهر من بينها ،
كاللبس في الملبوس والشرب في المشروب والأكل في المأكول ، وقسم منافعه متساوية في
الظهور والخفاء. ولا ريب أنّ المطلقات إذا كانت لها أفراد ظاهرة وخفيّة إنّما
تنصرف إلى الظاهرة منها. وحينئذ نقول : إنّ المقصود بقوله تعالى : (خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ) هو خلق الأشياء لغاية الانتفاع بها ، وهو مطلق لا ينصرف إلّا
إلى الأشياء التي لا يمكن الانتفاع بها إلّا بجهة واحدة ،