السابقان (١٥١٦) ، وقولهم صلوات الله عليهم : «إنّ الوقوف عند الشبهة أولى من الاقتحام في الهلكة».
الثالث : أنّ وجوب الاجتناب (١٥١٧) عن كلا المشتبهين إنّما هو مع تنجّز التكليف بالحرام الواقعي على كلّ تقدير ، بأن يكون كلّ منهما بحيث لو فرض القطع بكونه الحرام كان التكليف بالاجتناب منجّزا ، فلو لم يكن كذلك بأن لم يكلّف به أصلا ، كما لو علم بوقوع قطرة من البول في أحد إناءين أحدهما بول أو متنجّس بالبول أو
______________________________________________________
١٥١٦. من حديث التثليث والمرسل في السرائر : «اتركوا ما لا بأس به حذرا عمّا به البأس».
١٥١٧. اعلم أنّ هذه المسألة ـ أعني : اشتراط كون طرفي العلم الإجمالي محلّ ابتلاء للمكلّف في وجوب الاجتناب عنهما ـ من خواصّ هذا الكتاب ، ولم يسبق إلى المصنّف رحمهالله في ذلك أحد فيما أعلم. ومرجعه إلى اشتراط كون كلّ من المشتبهين بحيث لو علم تفصيلا بكونه هو الحرام الواقعي المعلوم إجمالا تنجّز التكليف بالاجتناب عنه فعلا. ولو لم يكن كلاهما أو أحدهما كذلك لم يجب الاجتناب ، إذ وجوب الاجتناب عن كلا المشتبهين في الشبهة المحصورة إنّما هو من باب المقدّمة العلميّة للاجتناب عن الحرام الواقعي ، لابتنائه على مقدّمتين : إحداهما : تنجّز التكليف بالواقع ، والاخرى : وجوب دفع الضرر المحتمل ، إذ لو لم يجب ذلك لم يثبت وجوب الاجتناب عن كلا المشتبهين. وكذا لو لم يعلم بوجوب الاجتناب عن المحرّم الواقعي فعلا لم يبق مقتض لوجوب الاجتناب عن مقدّمته العلميّة ، لوضوح عدم كفاية العلم إجمالا بالحرمة الواقعيّة مطلقا في ذلك ، إذ الباعث على حكم العقل هو العلم بتوجّه خطاب متعقّب للعقاب على المخالفة لو اتّفقت بارتكاب أحد المشتبهين ، فمع عدم العلم به لا يبقى مقتض للاجتناب ، بل رجع الشكّ في التكليف الحادث إلى الشكّ البدوي. وحينئذ يخرج من قاعدة وجوب الاجتناب أمران :
أحدهما : ما لم يكن العلم الإجمالي فيه مؤثّرا في إحداث تكليف جديد ، كما