ولعلّ هذه الآية أظهر من سابقتها ؛ لأنّ السابقة دلّت على أنّه لا يجوز (١١١٤) الحكم بحرمة ما لم يوجد تحريمه فيما أوحى الله سبحانه إلى النبيّ صلىاللهعليهوآله ، وهذه تدلّ على أنّه لا يجوز التزام ترك الفعل مع عدم وجوده فيما فصّل وإن لم يحكم بحرمته ، فيبطل وجوب الاحتياط أيضا (١١١٥) إلّا أنّ دلالتها موهونة من جهة اخرى وهي أنّ ظاهر الموصول العموم ، فالتوبيخ على الالتزام بترك الشيء مع تفصيل جميع (١١١٦) المحرّمات الواقعيّة وعدم كون المتروك منها ، ولا ريب أنّ اللازم من ذلك العلم بعدم كون المتروك محرّما واقعيّا ، فالتوبيخ في محلّه.
والإنصاف ما ذكرنا من أنّ الآيات المذكورة لا تنهض على إبطال القول بوجوب الاحتياط ؛ لأنّ غاية مدلول الدالّ منها هو عدم التكليف فيما لم يعلم خصوصا أو عموما بالعقل أو النقل ، وهذا ممّا لا نزاع فيه لأحد ، وإنّما أوجب الاحتياط من أوجبه بزعم قيام الدليل العقلي أو النقلي على وجوبه ، فاللازم على منكره ردّ ذلك الدليل أو معارضته بما يدلّ على الرخصة وعدم وجوب الاحتياط فيما لا نصّ فيه ، وأمّا الآيات المذكورة فهي كبعض الأخبار الآتية لا تنهض لذلك ؛ ضرورة أنّه إذا فرض أنّه ورد بطريق معتبر في نفسه أنّه يجب الاحتياط في كلّ ما يحتمل أن يكون قد حكم الشارع فيه بالحرمة ، لم يكن يعارضه شيء من الآيات المذكورة.
______________________________________________________
١١١٤. عدم الحكم بالحرمة لا ينافي وجوب الاحتياط ، لأنّه عبارة عن الالتزام بالترك في الشبهة التحريميّة لا الحكم بالحرمة.
١١١٥. أي : كما تدلّ على عدم جواز الحكم بالحرمة.
١١١٦. ظاهره أنّ ما نحن فيه يفارق مورد الآية من وجهين :
أحدهما : أنّ موردها عدم كون المتروك في جميع المحرّمات الواقعيّة ، والمقصود فيما نحن فيه عدم كونه فيما بأيدينا من الأدلّة بعد العلم باختفاء كثير منها عنّا.
وثانيهما : أنّ عدم وجدان المتروك في المحرّمات الواقعيّة دليل على إباحته في