في العدول عن التعبير بعدم الوجود إلى عدم الوجدان إشارة إلى المطلب (١١١١) ، وأمّا الدلالة فلا ؛ ولذا قال في الوافية : وفي الآية إشعار بأنّ إباحة الأشياء مركوزة في العقل قبل الشرع. مع أنّه لو سلّم دلالتها فغاية مدلولها (١١١٢) كون عدم وجدان التحريم فيما صدر عن الله تعالى من الأحكام يوجب عدم التحريم ، لا عدم وجدانه فيما بقي بأيدينا من أحكام الله تعالى بعد العلم باختفاء كثير منها عنّا ، وسيأتي توضيح ذلك عند الاستدلال بالإجماع العملي على هذا المطلب.
ومنها : قوله تعالى : (وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ) (١٦) (١١١٣). يعني مع خلوّ ما فصّل عن ذكر هذا الذي يجتنبونه.
______________________________________________________
١١١١. يمكن منع الإشارة والإشعار أيضا ، لاحتمال كون النكتة في التعبير بعدم الوجدان هي الإشارة إلى قلّة المحرّمات ، لأنّه مع اختلاط القليل بالكثير واشتباهه فيه ينسب الوجدان وعدمه إلى القليل ، فيقال : إذا تتبّعت الأشياء الفلانيّة فوجدت الشيء الفلاني من بينها أو لم تجد من بينها. ففي التعبير به إشارة إلى قلّة المحرّمات وكثرة المباحات ، بحيث توجد هي من بينها.
١١١٢. بل يمكن أن يقال : إنّ غاية مدلولها كون عدم وجدان النبيّ صلىاللهعليهوآله دليلا على عدم الوجود في الواقع ، إذ لا ريب في كون عدم وجدانه حرمة شيء كاشفا عن إباحته في الواقع. والمقصود في المقام إثبات الإباحة الظاهريّة بعدم وجدان الدليل على الحرمة ، كيف والمأخوذ في موضوع الاصول هو الجهل بالحكم الواقعي ، فكيف تجعل الآية دليلا على إثبات الإباحة الظاهريّة؟ والفرق بينه وبين ما ذكره المصنّف رحمهالله واضح ، فلا تغفل.
١١١٣. الآية في سورة الأنعام. وتقريب الدلالة : أنّ الله تعالى قد ذمّ على الالتزام بترك ما لم يوجد فيما فصّل من المحرّمات ، فتدلّ على إباحة كذلك ما لم يوجد تحريمه في الكتاب والسنّة.