ومنها : قوله تعالى مخاطبا لنبيّه صلىاللهعليهوآله (١١١٠) ملقّنا إيّاه طريق الرد على اليهود حيث حرّموا بعض ما رزقهم الله افتراء عليه : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً) (١٥) ، فأبطل تشريعهم بعدم وجدان ما حرّموه في جملة المحرّمات التي أوحى الله إليه ، وعدم وجدانه صلىاللهعليهوآله ذلك فيما اوحي إليه وإن كان دليلا قطعيّا على عدم الوجود ، إلّا أنّ في التعبير بعدم الوجدان دلالة على كفاية عدم الوجدان في إبطال الحكم بالحرمة. لكنّ الإنصاف : أنّ غاية الأمر أن يكون
______________________________________________________
كونه ، من إعزاز الدين وأهله ، وإذلال الشرّ وأهله ، ليموت من مات عن بيّنة ، يعني : بعد إلزام الحجّة عليه بما رآه في هذه الغزوة ممّا يدلّ على صدق النبيّ صلىاللهعليهوآله ، وهو نصرة المسلمين مع قلّة عددهم وكثرة المشركين ونزولهم على الماء دونهم ، ويعيش من عاش منهم بعد قيام الحجّة عليه.
وبالجملة ، إنّ المراد بقوله تعالى : (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ ...) بيان للغرض من نصرة المسلمين في هذه الغزوة من إلزام الحجّة على من مات أو بقي من المشركين ، ولا دلالة فيها على عدم التكليف بلا بيان ، لكونه بيانا لإلزام الحجّة على الكفّار في واقعة خاصّة. اللهمّ إلّا أن يقال : إنّ المستفاد من الآية لزوم إذاعة الحجّة في كلّ ما أراده الله تعالى من العباد ، سواء كان هو الإسلام أو الأحكام الفرعيّة ، فتأمّل.
١١١٠. الآية في سورة الأنعام. وتقريب الدلالة : أنّ الله تعالى قد خاطب نبيّه ملقّنا إيّاه كيفيّة الردّ على اليهود حيث حرّموا ما أحلّ الله لهم افتراء عليه تعالى ، بأن يقول : إنّي لا أجد في جملة ما أوحى الله تعالى إليّ محرّما سوى هذه المحرّمات ، فلقّنه طريق الردّ على اليهود بعدم وجدانه ما حرّموه في جملة ما أوحى إليه. فدلّت على كون عدم الوجدان دليلا على عدم الوجود ، إذ لو لم يكن كذلك لم يكن وجه لتلقينه تعالى له ذلك في مقام الردّ على اليهود. وحينئذ يتمّ القول بالبراءة في الشبهات التحريميّة ـ بل مطلقا ـ بعد عدم وجدان الدليل في الواقعة على التكليف.