ويردّ على الكلّ : أنّ غاية مدلولها عدم المؤاخذة على مخالفة النهي المجهول عند المكلّف لو فرض وجوده واقعا ، فلا ينافي ورود الدليل العامّ على وجوب اجتناب ما يحتمل التحريم ، ومعلوم أنّ القائل بالاحتياط ووجوب الاجتناب لا يقول به إلّا عن دليل علمي ، وهذه الآيات بعد تسليم دلالتها غير معارضة لذلك الدليل ، بل هي من قبيل الأصل بالنسبة إليه ، كما لا يخفى.
______________________________________________________
وإعلام. وقضيّة تخصيص الضلال والاهتداء بما بعد البيان هو عدم الوجوب والحرمة قبله.
ولعلّ وجه تأمّل المصنّف رحمهالله في دلالتها هو كون المراد بالبيّنة هي المعجزات الباهرة للنبيّ صلىاللهعليهوآله. والمقصود من الآية بيان علّة ما وقع منه تعالى من نصرة المسلمين ، لأنّ الآية قد نزلت في بيان قصّة غزوة بدر ونصرة المسلمين فيها ، كما يشهد به ما قبلها ، قال سبحانه : (إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ ...).
قد أخبر الله عزوجل نبيّه صلىاللهعليهوآله بأنّكم مع قلّة عددكم قد كنتم بشفير الوادي الأقرب إلى المدينة ، والمشركون بالشفير الأقصى منها ، في حال كون الركب ـ يعني : أبا سفيان وأصحابه ـ في موضع أسفل منكم إلى ساحل البحر ، يعني : مع قلّة عددكم وبعدكم عن الماء ، والمشركون مع تقارب الفئتين منهم ومع كثرتهم ونزولهم على الماء ، قد نصر المسلمين عليهم.
ثمّ أخبر عن قلّة عدد المسلمين بأنّهم كانوا بحيث لو تواعدوا على الاجتماع في الموضع الذي اجتمعوا فيه ، ثمّ بلغهم كثرة المشركين مع قلّة عددهم ، لتأخّروا ونقضوا الميعاد.
ثمّ أخبر بأنّه تعالى قادر على الجمع بينهم وبين المشركين ليقضي ما لا بدّ من