ولا يمكن أن يقال : إنّ المستفاد منه بتنقيح المناط (١٤٠٨) هو وجوب الأخذ بأحد الحكمين وإن لم يكن على كلّ واحد منهما دليل معتبر معارض بدليل الآخر.
فإنّه يمكن أن يقال : إنّ الوجه في حكم الشارع هناك بالأخذ بأحدهما ، هو أنّ الشارع أوجب الأخذ بكلّ من الخبرين المفروض استجماعهما لشرائط الحجّية ، فإذا لم يمكن الأخذ بهما معا فلا بدّ من الأخذ بأحدهما ، وهذا تكليف شرعيّ في المسألة الاصوليّة غير التكليف المعلوم تعلّقه إجمالا في المسألة الفرعيّة بواحد من الفعل والترك ، بل ولو لا النصّ الحاكم هناك بالتخيير أمكن القول به من هذه الجهة ، بخلاف ما نحن فيه ، إذ لا تكليف إلّا بالأخذ بما صدر واقعا في هذه الواقعة ، والالتزام به حاصل من غير حاجة إلى الأخذ بأحدهما بالخصوص.
ويشير إلى ما ذكرنا من الوجه قوله عليهالسلام في بعض تلك الأخبار : «بأيّهما أخذت من باب التسليم وسعك». وقوله عليهالسلام : «من باب التسليم» إشارة إلى أنّه لمّا وجب على المكلّف التسليم لجميع ما يرد عليه بالطرق المعتبرة من أخبار الأئمّة عليهمالسلام ـ كما يظهر ذلك من الأخبار الواردة في باب التسليم لما يرد من الأئمّة عليهمالسلام ، منها قوله : «لا عذر لأحد من موالينا في التشكيك فيما يرويه عنّا ثقاتنا» ـ ، وكان التسليم لكلا الخبرين الواردين بالطرق المعتبرة المتعارضين ممتنعا ، وجب التسليم لأحدهما مخيّرا في تعيينه.
______________________________________________________
مخالفة العلم الإجمالي ، من استدلاله بأخبار التخيير في تعارض الخبرين على وجوب الأخذ بأحد الاحتمالين فيما نحن فيه ، وعدم جواز الحكم بالإباحة فيه فراجع.
١٤٠٨. لأنّ المناط في حكم الشارع بالتخيير في تعارض الخبرين إنّما هو عدم إعراضه عن الأحكام الواقعيّة ورجحان الأخذ بها بحسب الإمكان ، وهو موجود فيما نحن فيه أيضا ، بل على وجه الأولويّة ، للعلم إجمالا بصدق أحد الاحتمالين ، بخلاف الخبرين المتعارضين ، لاحتمال كذب كلا المتعارضين. ومن هنا يظهر إمكان تقريب الدلالة بوجهين : أحدهما : تنقيح المناط ، والآخر : الأولويّة القطعيّة. ويرد على الأوّل ـ مضافا إلى ما أورده المصنّف رحمهالله ـ أنّه يحتمل أن يكون