ولذا اعترف في كلامه بأنّه لو قتله كان معذورا ، فإذا لم يكن هذا الفعل الذي تحقّق التجرّي في ضمنه ممّا يتّصف بحسن أو قبح ، لم يؤثّر في اقتضاء ما يقتضي القبح ، كما لا يؤثّر في اقتضاء ما يقتضي الحسن لو فرض أمره بقتل كافر فقتل مؤمنا معتقدا كفره ؛ فإنّه لا إشكال في مدحه من حيث الانقياد وعدم مزاحمة حسنه بكونه في الواقع قتل مؤمن.
______________________________________________________
للجهل بصفته الشرعيّة. ولكنّك خبير بما فيه ، إذ الجهل بالحكم الشرعيّ لا يخرج الفعل عن الاختيار ، وإلّا لارتفع التكليف رأسا مع الجهل ، وهو واضح البطلان.
ويمكن منع الكلّية المذكورة بما ذهب إليه المفصّل في مسألة الحسن والقبح ، وذلك أنّه قد خالف المشهور في تلك المسألة في كون الحسن والقبح العقليّين علّتين لأوامر الشارع ونواهيه ، واعتبار الملازمة بين حكم العقل والشرع ، فادّعى جواز حكم الشارع بخلاف حكم العقل ، ولذا ترى أنّ الصبيّ المراهق إذا كان كامل العقل لطيف القريحة تثبت الأحكام العقليّة في حقّه كغيره من الكاملين ، ومع ذلك لم يكلّفه الشارع بوجوب ولا تحريم ، لمصالح دعته إلى ترك تكليفه بهما ، من التوسعة عليه وحفظ القوانين الشرعيّة من التشويش وعدم الانضباط. وسلّم الملازمة بين حكم العقل بحسن التكليف لمصلحة فيه وبين حكم الشرع ، ولكنّه بنى مع ذلك على أنّ العقل إذا أدرك حسن الفعل يجب اتّباعه ما لم يثبت من الشرع خلافه ، لكون جهة الفعل من جملة جهات التكليف ومقتضياته. وقال : لأنّ قضيّة جهات الفعل وقوع التكليف على حسبها إن لم يعارضها مانع من جهات التكليف ، ولا يكفي احتماله ، إذ المحتمل لا يكفي في نظر العقل لمعارضة المقطوع به.
ونقول فيما نحن فيه أيضا بناء على عدم ثبوت حسن الفعل في الواقع لأجل الجهل بعنوانه : إنّ قبح التجرّي مقتض للحرمة باعتراف من المفصّل ، فيجب إعمال المقتضي ما لم يثبت المانع جريا على مذهبه وإلزاما له به. ومرجع ما