.................................................................................................
______________________________________________________
يتّصفان بشيء من الحسن والقبح.
وهذا أولى ممّا ربّما يقال في تقرير مراد المصنّف رحمهالله جمودا على ظاهر عبارته ، من أنّ حكم العقل في فعل بحسن أو قبح إنّما هو بعد إحراز جميع خصوصيّاته ، والفعل المجهول العنوان ممّا لا يمكن أن يحكم عليه العقل بحسن أو قبح ، إذ من المعلوم أنّ الحكم العقلي ليس له واقعيّة كالشرعيّ حتّى يتبع موضوعه الواقعي حتّى مع جهل المكلّف به ، بل واقعيّته ليست إلّا عبارة عن مقام فعليّته ، فمع جهل عنوان الفعل لا يكون هنا حكم عقلي لا ظاهرا ولا واقعا.
وجه الأولويّة أنّ عدم حكم العقل لأجل جهله بعنوان الفعل لا يوجب عدم اتّصافه بحسن أو قبح في الواقع أصلا ، ولذا لو ضرب أحد يتيما ظلما ، ورآه آخر ولكن لم يعلم أنّه ضربه تأديبا أو عدوانا ، فلا ريب أنّ عدم حكم عقله بقبح هذا الضرب لا يوجب عدم قبحه في الواقع ، كيف وأكثر الأفعال التي لا يدرك العقل حسنها ولا قبحها قد حكم الشارع عليه بالحرمة أو الوجوب ، ولا ريب أنّ العقل أيضا لو اطّلع على خصوصيّاته التي حكم الشارع من أجلها بوجوبه أو حرمته حكم بحسنه أو قبحه ، ومن هنا ذكروا أنّ ما حكم به الشرع حكم به العقل.
ثمّ إنّ ما أورده المصنّف رحمهالله مختصّ بما إذا كان الاشتباه في الحكم واعتقاد خلافه ناشئا من اشتباه عنوان الفعل واعتقاد خلافه ، فلا يتأتّى فيما إذا كان الاشتباه في نفس الحكم خاصّة ، كما إذا اعتقد وجوب شرب الخمر مثلا فتجرّى فلم يشربه. والوجه فيه واضح ممّا قدّمناه ، إذ الجهل هنا غير مانع من قبح الفعل في نفسه ، بخلاف الجهل بعنوانه كما لا يخفى. ولعلّ مراده النقض على ما ادّعاه المفصّل من كلّية عدم استحقاق العقاب فيما إذا تعارضت الجهة الواقعيّة والظاهريّة ، فيكفي فيه حينئذ السلب الجزئي ، لانتقاض الإيجاب الكلّي به. اللهمّ إلّا أن يقال : إنّ شرب الخمر من حيث الجهل بكونه منهيّا عنه في الواقع غير اختياري ،