عن العمل بالظنّ ، وقد أطالوا الكلام في النقض والإبرام في هذا المقام (١١) بما لا ثمرة مهمّة في ذكره بعد ما عرفت : لأنّه إن اريد الاستدلال بها على حرمة التعبّد والالتزام والتديّن بمؤدّى الظنّ ، فقد عرفت أنّه من ضروريّات العقل ، فضلا عن تطابق الأدلّة الثلاثة النقليّة عليه. وإن اريد دلالتها على حرمة العمل المطابق للظنّ وإن لم يكن عن استناد إليه : فإن اريد حرمته إذا خالف الواقع مع التمكّن من العلم به ، فيكفي في ذلك الأدلّة الواقعية. وإن اريد حرمته إذا خالف الاصول مع عدم التمكّن من العلم ، فيكفي فيه ـ أيضا ـ أدلّة الاصول ؛ بناء على ما هو التحقيق : من أنّ مجاريها صور عدم العلم الشامل للظنّ. وإن اريد حرمة العمل المطابق للظنّ من دون استناد إليه وتديّن به ، وعدم مخالفة العمل للواقع مع التمكّن منه ولا لمقتضى الاصول مع العجز عن الواقع ، فلا دلالة فيها ولا في غيرها على حرمة ذلك ، ولا وجه لحرمته أيضا. والظاهر : أنّ مضمون الآيات هو التعبّد بالظنّ والتديّن به ، وقد عرفت أنّه ضروري التحريم ، فلا مهمّ في إطالة الكلام في دلالة الآيات وعدمها.
إنّما المهمّ ـ الموضوع له هذه الرسالة ـ بيان ما خرج أو قيل بخروجه (١٩٧) من هذا الأصل من الامور الغير العلميّة التي اقيم الدليل على اعتبارها مع قطع النظر عن انسداد باب العلم الذي جعلوه موجبا للرجوع إلى الظنّ مطلقا أو في الجملة ، وهي امور : منها : الأمارات المعمولة في استنباط الأحكام الشرعيّة من ألفاظ الكتاب والسنّة. وهي على قسمين :القسم الأوّل : ما يعمل لتشخيص مراد (١٩٨) المتكلّم
______________________________________________________
الظنّ ، فإنّ الظنّ أكذب الكذب». إلى غير ذلك من الأخبار. وقد أطال الكلام فيها في القوانين وغيره بما هو غير خفيّ على المتتبّع الخبير والناقد البصير ، ولا يهمّنا الكلام فيها نقضا وإبراما كما أشار إليه المصنّف قدسسره.
١٩٧. من الأوّل الأمارات المستعملة في مقام تعيين المرادات والظواهر وخبر الواحد في الجملة. ومن الثاني الشهرة والإجماع المنقول في الجملة ، لأنّ خروج الأوّل على ما هو مقتضى التحقيق عنده ، والثاني على قول بعضهم ، كما ستقف عليه في محلّه.
١٩٨. يعني : لتشخيص مراد المتكلّم بمقتضى ظاهر اللفظ لا مراده الواقعي