ومثال ذلك أن هذا المنهج اعترف بحاجة الجسم إلى الطعام والشراب ، ولكنه لم يترك الإنسان يأكل كل ما يجده ، ويتجرع كل ما يصادفه ، بأي شكل وكيفما اتفق ؛ وإنما أحل له الطيبات وحرم عليه الخبائث ، وعلمه آداب تناول الطعام والشراب بما يتفق مع فضل الإنسان ومنزلته الرفيعة. ولم يدع الإنسان يلتهم الطعام كلما أحس بالجوع ، وينهل من الشراب كلما أحس بالعطش ، ولم يخل بينه وبينهما ، يملأ معدته بهما حتى يصاب بالتخمة ، ويصبح عبدا لبطنه ؛ وإنما جعله يمسك عن طعامه وشرابه طيلة اليوم حين يصوم ، ونهاه عن الإسراف في تناولهما حين يفطر. وجعلهما وسيلة لحياته ولم يجعلهما غاية له. فإباحة تناول المأكولات والمشروبات واقعية لا بد منها ، وتحريم الخبائث ، وتعليم الآداب في تناول الطعام والشراب ، والنهي عن الإسراف فيهما مثالية وقد جمع هذا المنهج بين الواقعية والمثالية.
ثم اعترف هذا المنهج بغريزة الإنسان وبرغبته في إشباع شهوته ، واقتران الرجل بالمرأة ، ولكنه لم يدع الرجل ينزو على أي امرأة تحلو له ، كما هو حال كثير من الحيوانات ، وإنما وضع لذلك حدودا وأحكاما ، فهناك محرمات لا يحل الزواج منهن ، ولعقد الزواج أحكام شرعية تكفل المحافظة على حقوق الزوجين والأولاد ، ولمعاشرة الزوجة آداب تتفق مع سمو الإنسان. ومباشرتها منهي عنها حين الصوم والاعتكاف في المساجد والإحرام بالحج أو العمرة ، وحين يعتريها الحيض والنفاس. قال الله تعالى :
(أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ (٢٥) هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَ (٢٦) وَابْتَغُوا (٢٧) ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَقْرَبُوها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (٢٨)
(وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ). (٢٩)
فالاعتراف بالغريزة وإباحة الزواج واقعية ، والتشريعات والأحكام التي تنظم الزواج وتجعله بالشكل الذي يتناسب مع قيمة الإنسان مثالية. وقد جمع المنهج الإسلامي بينهما.