٤ ـ أسلوب التشبيه وضرب الأمثال
يؤدي تشبيه المعاني الذهنية المجردة بالأشياء الحسية الملموسة إلى وضوحها ، ويؤدي ضرب الأمثال إلى تقريب الأفكار من العقل وجعلها مفهومة ، كما يؤدي التشبيه والتمثيل إلى إدراك المعنى وتكوين صورة له في المخيلة ؛ ويكون التأثر بتلك الصورة أشد وأقوى فعالية من الأفكار المجردة ، بالإضافة إلى ما في التصوير والتشخيص الحي من الإثارة والمتعة ، مما يطرد السأم عن المتعلم ، ويجعله متقد الذهن حاضر القلب.
ولذلك كثر الاعتماد على هذا الأسلوب في القرآن الكريم حتى ضربت فيه الأمثال بكثير من الأشياء الصغيرة وبعض الحشرات الحقيرة. قال تعالى :
(إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ). (١١٩)
ومن ذلك أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ شبه ضلال المشركين وضعف أوليائهم الذين يلجؤون إليهم من دون الله بالأنسجة التي تنسجها العناكب لقنص فريستها. فقال :
(مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ (١٢٠) الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ). (١٢١)
فالمشركون الذين يلتجؤون إلى غير الله كالذبابة التي علقت ببيت العنكبوت. وحبائل الشيطان التي أضلت هؤلاء المشركين ، ووسائل أوليائهم التي أدت إلى غوايتهم شبيهة بتلك الشبكة التي علقت بها الذبابة. وأولياء المشركين كالعنكبوت الذي يمتص دم فريسته. وأولئك الأولياء ووسائلهم في ضعف العنكبوت وبيته. وفي هذا المثل ما يكفي للتنفير من عبادة غير الله عزوجل.
ومنه تشبيه الأصنام والآلهة التي يعبدها المشركون بالذباب الضعيف الحقير :
(يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ). (١٢٢)