(وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ). (١٣)
٣ ـ وهو منهج متوازن معتدل :
يوفق بين جوانب الإنسان الجسدية والعقلية والروحية دون أن يسمح بطغيان جانب على غيره. ولقد كان اليونان القدماء في اسبارطة يضحون بالتربية الروحية في سبيل التربية الجسدية ؛ إذ كانت القوة الجسدية والقدرة الحربية هي الخصال المفضلة لدى الأسبارطيين الذين جعلوا هدفهم الأوحد تكوين أبطال وجنود ، فكانت نتيجة هذه التربية لديهم جهلا وغلظة في الطباع أما المشرع الأثيني" صولون" فقد جعل تمارين الجسد وتمارين الروح في مرتبة واحدة ، وقرر أن على الأطفال أن يتعلموا السباحة والقراءة قبل كل شيء.
وكانت التربية الجسدية موضع العناية في أول عهد الجمهورية الأثينية ، إلا أن التربية فيها ما لبثت بعد ذلك حتى غدت أميل إلى الثقافة الفكرية الأدبية ، ولا سيما في القرن السادس قبل الميلاد فأصبح اليونان يهتمون بالفكر والفلسفة ، وغلبت الناحية العقلية الفلسفية على التربية عندهم. ثم أعقبهم الرومان فأصبحوا على العكس منهم ، يعنون بقوة الأجسام ، ويدربون الأبطال على مصارعة بعضهم بعضا حينا ، وعلى مصارعة الثيران والوحوش حينا آخر ، وهم يمجدون القوي المنتصر ، ويسخرون من الضعيف الخاسر ؛ فغلبت الناحية المادية العملية على التربية الرومانية حتى سيطرت الكنيسة على أوربا في العصور الوسطى ، فأولت الناحية الروحية والخلقية اهتمامها ، وغلبت الناحية المثالية الخلقية على تربيتها ، فلم يعد للجسد عند القديس" جيروم" قيمة ، ولم يبق ثمة مجال للبحث في أمر تقويته والعناية به لنخلق منه أداة صالحة لنفس جميلة ، بل غدا عدوا يجب قهره بالصوم والامتناع عن الطعام. ومما قاله هذا القديس : (احرص على ألا تأكل بولا (١٤) أبدا أمام جمع ، وألا تحضر الموائد والحفلات العائلية ، خشية أن تصبو إلى ما يقدم فيها من صنوف اللحم ، ولتعتد الامتناع عن الخمرة ، فهي مصدر كل دنس ، ولتغتذ بالبقول غالبا وبالسمك نادرا ، ولتحاول إذا أكلت ألا تشبع) وذهب في احتقاره للجسد إلى أبعد من هذا فقال : (لو أن الرأي لي لمنعت الفتاة من الاغتسال منعا باتا). غير أنه أباح للأطفال الصغار الاغتسال وتناول الخمرة واللحم" عند ما تقضي الضرورة بذلك ، وخوفا من أن تخونهم أقدامهم قبل أن يصبحوا قادرين على المشي"(١٥) فكانت التربية المدرسية قبل عصر