٣ ـ تربية الإنسان :
إن تربية
الإنسان أشد تعقيدا وأكثر أهمية ، وهي تستغرق مدة أطول من تربية غيره من الكائنات.
فأما المدة
التي يحتاج إليها الإنسان في التربية فتدوم طوال حياته ، لأنه لا يصبح كاملا وإن
طالت تربيته ، فتراه يخطئ ويتعثر في سيره ، ويقع في المشكلات من حين إلى آخر.
ومهما حصل من العلوم ، وتلقى من التربية يبقى محتاجا إلى المزيد منها. وهذا سر
قوله تعالى : (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي
عِلْماً)
(٥٥)
وتبقى علوم
الإنسان محدودة وضئيلة لقصور عقله وقلة إدراكه :
(وَما أُوتِيتُمْ مِنَ
الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً)
(٥٦)
ولذلك فإنه
يحتاج إلى من يوجهه وينصحه ويربيه ويعلمه ما دام حيا وتعظم حاجته إلى التربية في
المراحل الأولى من عمره ، وخاصة حين يصبح مميزا قادرا على الفهم حتى سن البلوغ
والرشد ، أي ما بين السنة السادسة والسابعة إلى الخامسة عشرة والثامنة عشرة من
عمره.
وأما أهمية
تربية الإنسان فلمكانته المرموقة في هذا الكون ؛ فقد جعله الله خليفة في هذه الأرض
:
(وَإِذْ قالَ رَبُّكَ
لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً)
(٥٧)
وسخر له ما في
البر والبحر وما في السموات والأرض :
(اللهُ الَّذِي
سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا (٥٨)
مِنْ
فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ. وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما
فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)
(٥٩) وجعله من أكرم
وأفضل المخلوقات :
(وَلَقَدْ كَرَّمْنا
بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ
الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً). (٦٠)
والإنسان لا
يستطيع إعمار الأرض وتحقيق الخلافة فيها ، ولا يستطيع الاستفادة من ثروات الأرض
وخيرات السماء على أحسن وجه ، ولا يستحق التكريم والتفضيل إلا بالتربية الرفيعة
التي ينالها والعلوم الهامة التي تعلمها ؛ ولهذا أمر الله الملائكة بالسجود لآدم
لما أخبرهم بأسماء الأشياء التي لم يتعلموها. قال سبحانه :
(وَعَلَّمَ آدَمَ
الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي