(وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ (٩) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (١٠) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) (١١)
بعد نزوله طرفة عين لأنهم إذا شاهدوا ملكا في صورته زهقت أرواحهم من هول ما يشاهدون ، ومعنى ثم بعد ما بين الأمرين ، قضاء الأمر وعدم الإنظار ، جعل عدم الإنظار أشدّ من قضاء الأمر لأنّ مفاجأة الشدة أشدّ من نفس الشدة.
٩ ـ (وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً) ولو جعلنا الرسول ملكا كما اقترحوا ، لأنهم كانوا تارة يقولون (١) لو لا أنزل على محمد ملك وتارة يقولون : (ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) (٢) و (لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً) (٣) (لَجَعَلْناهُ رَجُلاً) لأرسلناه في صورة رجل كما كان جبريل عليهالسلام ينزل على رسول الله صلىاللهعليهوسلم في أعم الأحوال في صورة دحية (٤) لأنهم لا يبقون مع رؤية الملائكة في صورهم (وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ) ولخلطنا وأشكلنا عليهم من أمره إذ كان سبيله كسبيلك يا محمد ، فإنهم يقولون إذا رأوا الملك في صورة الإنسان هذا إنسان وليس بملك ، يقال لبست الأمر على القوم وألبسته إذا شبّهته عليهم (٥) وأشكلته عليهم.
ثم سلى نبيه على ما أصابه من استهزاء قومه بقوله :
١٠ ـ (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) فأحاط بهم الشيء الذي كانوا يستهزئون به وهو الحق ، حيث أهلكوا من أجل استهزائهم به ، ومنهم متعلق بسخروا ، كقوله : (فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ) (٦) والضمير للرسل والدال مكسورة عند أبي عمرو وعاصم لالتقاء الساكنين ، وضمّها غيرهما إتباعا لضم التاء.
١١ ـ (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) والفرق بين فانظروا وبين ثم انظروا أن النظر جعل مسببا عن السير في فانظروا ، فكأنه قيل
__________________
(١) في (ز) يقولون تارة.
(٢) المؤمنون ، ٢٣ / ٢٤.
(٣) فصلت ، ٤١ / ١٤.
(٤) دحية : هو دحية بن خليفة بن فروة بن فضالة الكلبي ، صحابي ، بعثه رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى قيصر يدعوه للإسلام وكان يضرب به المثل في حسن الصورة لم يعرف تاريخ ولادته وتوفي نحو ٤٥ ه (الإعلام ٢ / ٣٣٧).
(٥) في (ز) إذا أشبهته وأشكلته.
(٦) التوبة ، ٩ / ٧٩.