(وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً (٢٤) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً) (٢٥)
عما يزيد عليه ، ولقد بالغ سبحانه في التوصية بهما حيث افتتحها بأن شفع الإحسان إليهما بتوحيده ، ثم ضيّق الأمر في مراعاتهما حتى لم يرخص في أدنى كلمة تنفلت من المتضجّر مع موجبات الضجر ومع أحوال لا يكاد يصبر الإنسان معها.
٢٤ ـ (وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِ) أي اخفض لهما جناحك كما قال : (وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ) (١) فأضافه إلى الذّلّ كما أضيف حاتم إلى الجود ، والمعنى واخفض لهما جناحك الذليل (مِنَ الرَّحْمَةِ) من فرط رحمتك لهما وعطفك عليهما لكبرهما وافتقارهما اليوم إلى من كان أفقر خلق الله إليهما بالأمس ، وقال الزّجّاج : وألن جانبك متذلّلا لهما من مبالغتك في الرحمة لهما (وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً) ولا تكتف برحمتك عليهما التي لا بقاء لها ، وادع الله بأن يرحمهما رحمته الباقية ، واجعل ذلك جزاء لرحمتهما عليك في صغرك وتربيتهما لك ، والمراد بالخطاب غيره عليهالسلام والدعاء مختصّ بالأبوين المسلمين ، وقيل إذا كانا كافرين له أن يسترحم لهما بشرط الإيمان ، وأن يدعو الله لهما بالهداية ، وعن النبي صلىاللهعليهوسلم : (رضا الله في رضا الوالدين وسخطه في سخطهما) (٢) ، وروي يفعل البارّ ما شاء أن يفعل فلن يدخل النار ، ويفعل العاقّ ما شاء أن يفعل فلن يدخل الجنة وعنه عليهالسلام : (إياكم وعقوق الوالدين فإنّ الجنة يوجد ريحها من مسيرة ألف عام ولا يجد ريحها عاق ولا قاطع رحم ولا شيخ زان ولا جارّ إزاره خيلاء ، إن الكبرياء لله ربّ العالمين) (٣).
٢٥ ـ (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ) بما في ضمائركم من قصد البرّ إلى الوالدين ، ومن النشاط والكرامة في خدمتهما (إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ) قاصدين الصلاح والبرّ ، ثم فرطت منكم في حال الغضب وعند حرج الصدر هنة تؤدي الى أذاهما ثم إبتم إلى الله واستغفرتم منها (فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً) الأوّاب الذي إذا أذنب بادر إلى التوبة ، فجاز أن يكون هذا عاما لكلّ من فرطت منه جناية ثم تاب منها ، ويندرج تحته الجاني على أبويه التائب من جنايته لوروده على أثره.
__________________
(١) الحجر ، ١٥ / ٨٨.
(٢) رواه الترمذي عن عبد الله بن عمرو موقوفا ، ورواه الحاكم والطبراني والبيهقي عن شعبة مرفوعا.
(٣) أخرجه ابن عدي والطبراني في الأوسط من رواية محمد بن الفرات وجابر الجعفي وهما متروكان.