(وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً إِنَّما عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٩٥) ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٩٦) مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٩٧)
الإسلام بعد ثبوتها عليها ، وإنما وحّدت القدم ونكّرت لاستعظام أن تزلّ قدم واحدة عن طريق الحقّ بعد أن تثبت عليه فكيف بأقدام كثيرة؟ (وَتَذُوقُوا السُّوءَ) في الدنيا (بِما صَدَدْتُمْ) بصدودكم (عَنْ سَبِيلِ اللهِ) وخروجكم عن الدين ، أو بصدّكم غيركم ، لأنهم لو نقضوا أيمان البيعة وارتدوا لاتخذوا نقضها سنّة لغيرهم يستنّون بها (وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) في الآخرة.
٩٥ ـ (وَلا تَشْتَرُوا) ولا تستبدلوا (بِعَهْدِ اللهِ) وبيعة رسول الله صلىاللهعليهوسلم (ثَمَناً قَلِيلاً) عرضا من الدنيا يسيرا ، كأنّ قوما ممن أسلم بمكة زيّن لهم الشيطان لجزعهم مما رأوا من غلبة قريش واستضعافهم المسلمين ولما كانوا يعدونهم إن رجعوا من المواعيد أن ينقضوا ما بايعوا عليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم فثبّتهم الله (إِنَّما عِنْدَ اللهِ) إن ما عند الله (١) من ثواب الآخرة (هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ).
٩٦ ـ (ما عِنْدَكُمْ) من أعراض الدنيا (يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللهِ) من خزائن رحمته (باقٍ) لا ينفد (وَلَنَجْزِيَنَ) (٢) وبالنون مكي وعاصم (الَّذِينَ صَبَرُوا) على أذى المشركين ومشاقّ الإسلام (أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ).
٩٧ ـ (مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى) من مبهم يتناول النوعين إلا أنّ ظاهره للذكور ، فبيّن بقوله من ذكر أو أنثى ليعم الموعد النوعين (وَهُوَ مُؤْمِنٌ) شرط الإيمان لأنّ أعمال الكفار غير معتد بها ، وهو يدلّ على أنّ العمل ليس من الإيمان (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً) أي في الدنيا لقوله (وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) وعده الله ثواب الدنيا والآخرة كقوله : (فَآتاهُمُ اللهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ) (٣) وذلك أنّ المؤمن مع العمل الصالح موسرا كان أو معسرا يعيش عيشا طيبا ، إن كان موسرا فظاهر ، وإن كان معسرا فمعه ما يطيب عيشه وهو القناعة والرضا
__________________
(١) ليس في (ز) إن ما عند الله.
(٢) في مصحف النسفي «وليجزين» وهي قراءة.
(٣) آل عمران ، ٣ / ١٤٨.