(أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ (٤٨) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (٤٩) يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) (٥٠)
فيأخذهم العذاب وهم متخوفون متوقعون ، وهو خلاف قوله من حيث لا يشعرون (فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) حيث يحلم عنكم ولا يعاجلكم مع استحقاقكم ، والمعنى أنه إذا لم يأخذكم مع ما فيكم فإنما رأفته تقيكم ورحمته تحميكم.
٤٨ ـ (أَوَلَمْ يَرَوْا) وبالتاء حمزة وعليّ وأبو بكر (إِلى ما خَلَقَ اللهُ) ما موصولة بخلق الله ، وهو مبهم بيانه (مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ) أي يرجع عن (١) موضع إلى موضع. وبالتاء بصري (عَنِ الْيَمِينِ) أي الأيمان (وَالشَّمائِلِ) جمع شمال (سُجَّداً لِلَّهِ) حال من الظلال. عن مجاهد : إذا زالت الشمس سجد كلّ شيء (وَهُمْ داخِرُونَ) صاغرون ، وهو حال من الضمير في ظلاله لأنه في معنى الجمع ، وهو ما خلق الله من كلّ شيء له ظل ، وجمع بالواو والنون لأنّ الدخور من أوصاف العقلاء ، أو لأنّ في جملة ذلك من يعقل فغلب ، والمعنى أولم يروا إلى ما خلق الله من الأجرام التي لها ظلال متفيئة عن أيمانها وشمائلها ، أي ترجع الظلال من جانب إلى جانب منقادة لله تعالى غير ممتنعة عليه فيما سخّرها له من التفيّؤ ، والأجرام في أنفسها أيضا صاغرة منقادة لأفعال الله فيها غير ممتنعة.
٤٩ ـ (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ) من بيان لما في السماوات وما في الأرض جميعا على أنّ في السماوات خلقا يدبّون فيها كما تدبّ الأناسي في الأرض ، أو بيان لما في الأرض وحده ، والمراد بما في السماوات ملائكتهنّ وبقوله (وَالْمَلائِكَةُ) ملائكة الأرض من الحفظة وغيرهم ، قيل المراد بسجود المكلفين طاعتهم وعبادتهم وبسجود غيرهم انقياده (٢) لإرادة الله ، ومعنى الانقياد يجمعهما فلم يختلفا ، فلذا جاز أن يعبّر عنهما بلفظ واحد ، وجيء بما إذ هو صالح للعقلاء وغيرهم ، ولو جيء بمن لتناول العقلاء خاصة (وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ).
٥٠ ـ (يَخافُونَ رَبَّهُمْ) هو حال من الضمير في لا يستكبرون أي لا يستكبرون خائفين (مِنْ فَوْقِهِمْ) إن علّقته بيخافون فمعناه يخافونه أن يرسل عليهم عذابا من فوقهم ، وإن علّقته بربهم حالا منه فمعناه يخافون ربهم غالبا لهم قاهرا ، كقوله :
__________________
(١) في (ظ) و (ز) من.
(٢) في (ز) انقيادهم.