(ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (١٠٢) لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (١٠٣)
تعالى (وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ) أي من أين يكون له ولد والولد لا يكون إلّا من صاحبة ولا صاحبة له ، ولأنّ الولادة من صفات الأجسام ومخترع الأجسام لا يكون جسما حتى يكون والدا (١) (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) أي ما من شيء إلّا وهو خالقه وعالمه ومن كان كذلك كان غنيا عن كلّ شيء والولد إنما يطلبه المحتاج.
١٠٢ ـ (ذلِكُمُ) إشارة إلى الموصوف بما تقدّم من الصفات ، وهو مبتدأ وما بعده أخبار مترادفة وهي (اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) وقوله (فَاعْبُدُوهُ) مسبب عن مضمون الجملة ، أي من استجمعت له هذه الصفات كان هو الحقيق بالعبادة فاعبدوه ولا تعبدوا من دونه من بعض خلقه (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) أي هو مع تلك الصفات مالك لكلّ شيء من الأرزاق والآجال رقيب على الأعمال.
١٠٣ ـ (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) لا تحيط به ، أو أبصار من سبق ذكرهم ، وتشبث المعتزلة بهذه الآية لا يستتب لأنّ المنفيّ هو الإدراك لا الرؤية ، والإدراك هو الوقوف على جوانب المرئي وحدوده ، وما يستحيل عليه الحدود والجهات يستحيل إدراكه لا رؤيته ، فنزل الإدراك من الرؤية منزلة الإحاطة من العلم ، ونفي الإحاطة التي تقتضي الوقوف على الجوانب والحدود لا يقتضي نفي العلم به فكذا (٢) هذا ، على أنّ مورد الآية وهو التمدّح يوجب ثبوت الرؤية إذ نفي إدراك ما تستحيل رؤيته لا تمدّح فيه ، لأنّ كلّ ما لا يرى لا يدرك ، وإنما التمدّح بنفي الإدراك مع تحقّق الرؤية إذ انتفاؤه مع تحقّق الرؤية دليل ارتفاع نقيصة التناهي والحدود عن الذات فكانت الآية حجة لنا عليهم ، ولو أمعنوا النظر فيها لاغتنموا التفصي عن عهدتها ، ومن ينفي الرؤية يلزمه نفي أنه معلوم موجود ، وإلّا فكما يعلم موجودا بلا كيفية وجهة ، بخلاف كلّ موجود لم يجز أن يرى بلا كيفية وجهة ، بخلاف كلّ مرئي ، وهذا لأنّ الرؤية تحقق الشيء بالبصر كما هو ، فإن كان المرئي في الجهة يرى فيها ، وإن كان لا في الجهة يرى لا فيها (وَهُوَ) للطف إدراكه للمدركات (٣) (يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ) أي
__________________
(١) في (ز) حتى يكون له ولد.
(٢) في (ز) فهكذا.
(٣) ليست في (ز).