(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللهُ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ) (٩٣)
والفوائد (مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) من الكتب (وَلِتُنْذِرَ) وبالياء أبو بكر ، أي الكتاب ، وهو معطوف على ما دلّ عليه صفة الكتاب كأنه قيل أنزلناه للبركات وتصديق ما تقدّمه من الكتب والإنذار (أُمَّ الْقُرى) مكّة وسميت أم القرى لأنها سرّة الأرض وقبلة أهل القرى وأعظمها شأنا ولأن الناس يؤمونها (وَمَنْ حَوْلَها) أهل الشرق والغرب (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) يصدّقون بالعاقبة ويخافونها (يُؤْمِنُونَ بِهِ) بهذا الكتاب ، فأصل الدين خوف العاقبة ، فمن خافها لم يزل به الخوف حتى يؤمن (وَهُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ) خصّت الصلاة بالذكر لأنّها علم الإيمان وعماد الدين فمن حافظ عليها يحافظ على أخواتها ظاهرا.
٩٣ ـ (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) هو مالك بن الصيف (أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ) هو مسيلمة الكذّاب (وَمَنْ قالَ) في موضع جر عطف على من افترى ، أي وممن قال (سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللهُ) أي سأقول وأملي هو عبد الله بن سعد ابن أبي سرح (١) كاتب الوحي ، وقد أملى النبي عليهالسلام عليه (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ) إلى (خَلْقاً آخَرَ) (٢) فجرى على لسانه فتبارك الله أحسن الخالقين ، فقال عليهالسلام : (اكتبها فكذلك نزلت) فشكّ وقال : إن كان محمد صادقا فقد أوحي إلى كما أوحى إليه ، وإن كان كاذبا فقد قلت كما قال ، فارتد ولحق بمكة (٣) ، أو النضر بن الحرث (٤) كان يقول والطاحنات طحنا فالعاجنات عجنا فالخابزات خبزا كأنه يعارض (وَلَوْ تَرى) جوابه محذوف أي لرأيت أمرا عظيما (إِذِ الظَّالِمُونَ) يريد الذين ذكرهم من اليهود
__________________
(١) عبد الله بن سعد بن أبي سرح القرشي العامري تاب بعد ارتداده ، وولي مصر بعد عمرو بن العاص فاستمر نحو ١٢ عاما ، توفي عام ٣٧ ه (الأعلام ٤ / ٨٨).
(٢) المؤمنون ، ٢٣ / ١٢ ـ ١٤.
(٣) الواحدي في الأسباب من حديث ابن عباس ، والطبري من طريق السدي مختصرا.
(٤) النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة بن عبد مناف من بني عبد الدار من قريش ، وهو ابن خالة النبي صلىاللهعليهوسلم ، صاحب لواء المشركين ببدر ، أسره المسلمون بعد الوقعة وقتلوه بالأثيل (ـ قرب المدينة ـ) (الأعلام ٨ / ٣٣).