(قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ (٣٢) قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ) (٣٣)
٣٢ ـ (قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ) تقول هو ذلك العبد الكنعاني الذي صورتنّ في أنفسكنّ ثم لمتنّني فيه ، تعني إنكنّ لم تصوّرنه بحقّ (١) صورته وإلّا لعذرتنّني في الافتتان به (وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ) والاستعصام بناء مبالغة يدلّ على الامتناع البليغ ، والتحفّظ الشديد ، كأنه في عصمة وهو يجتهد في الاستزادة منها ، وهذا بيان جلي على أنّ يوسف عليهالسلام بريء مما فسّر به أولئك الفريق الهمّ والبرهان ثم قلن له أطع مولاتك ، فقالت راعيل (وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ) الضمير راجع إلى ما وهي موصولة ، والمعنى ما آمره به ، فحذف الجار ، كما في قوله أمرتك الخير ، أو ما مصدرية والضمير يرجع إلى يوسف ، أي ولئن لم يفعل أمري إياه أي موجب أمري ومقتضاه (لَيُسْجَنَنَ) ليحبسنّ والألف في (وَلَيَكُوناً) بدل من نون التأكيد الخفيفة (مِنَ الصَّاغِرِينَ) مع السّرّاق والسّفّاك والأبّاق ، كما سرق قلبي وأبق مني وسفك دمي بالفراق ، فلا يهنؤه (٢) الطعام والشراب والنوم هنالك ، كما منعني هنا كلّ ذلك ، ومن لم يرض بمثلي في الحرير على السرير أميرا حصل في الحصير على الحصير حسيرا.
فلما سمع يوسف تهديدها :
٣٣ ـ (قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) أسند الدعوة إليهنّ لأنهن قلن له ما عليك لو أجبت مولاتك ، أو افتتنت كلّ واحدة به فدعته إلى نفسها سرا فالتجأ إلى ربّه ، وقال ربّ السجن أحبّ إليّ من ركوب المعصية (وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَ) فزع منه إلى الله في طلب العصمة (أَصْبُ إِلَيْهِنَ) أمل إليهنّ ، والصبوة الميل إلى الهوى ، ومنه الصّبا (٣) لأنّ النفوس تصبو إليها لطيب نسيمها وروحها (وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ) من الذين لا يعملون بما يعلمون ، لأنّ من لا جدوى لعلمه فهو ومن لم يعلم سواء ، أو من السفهاء.
فلما كان في قوله وإلّا تصرف عني كيدهنّ معنى طلب الصرف والدعاء قال :
__________________
(١) في (ظ) و (ز) حق صورته.
(٢) في (ز) يهنأ ليوسف.
(٣) الصبا : ريح تهب من مطلع الشمس إذا استوى الليل والنهار ومقابلتها الدبور.