(فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ ما يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ) (١٠٩)
وسعده يسعده متعد (فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) هو استثناء من الخلود في نعيم الجنة ، وذلك أنّ لهم سوى الجنة ما هو أكبر منها ، وهو رؤية الله تعالى ورضوانه ، أو معناه إلّا من شاء أن يعذبه بقدر ذنبه قبل أن يدخله الجنة. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : (الاستثناء في الآيتين لأهل الجنة) (١) ومعناه ما ذكرنا أنه لا يكون للمسلم العاصي الذي دخل النار خلود في النار حيث يخرج منها ، ولا يكون له أيضا خلود في الجنة لأنه لم يدخل الجنة ابتداء ، والمعتزلة لمّا لم يروا خروج العصاة من النار ردّوا الأحاديث المروية في هذا الباب ، وكفى به إثما مبينا (عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) غير مقطوع ولكنه ممتد إلى غير نهاية ، كقوله : (لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) (٢) وهو نصب على المصدر أي أعطوا عطاء ، قيل كفرت الجهمية (٣) بأربع آيات : (عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ أُكُلُها دائِمٌ) (٤) (وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ) (٥) (لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ) (٦).
لما قصّ الله قصص عبدة الأوثان وذكر ما أحلّ بهم من نقمه وما أعدّ لهم من عذابه قال :
١٠٩ ـ (فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ) أي فلا تشكّ بعد ما أنزل (٧) من هذه القصص في سوء عاقبة عبادتهم لما أصاب أمثالهم قبلهم تسلية لرسول الله صلىاللهعليهوسلم وعدة بالانتقام منهم ووعيدا لهم ، ثم قال : (ما يَعْبُدُونَ إِلَّا كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ) يريد أنّ حالهم في الشرك مثل حال آبائهم وقد بلغك ما نزل بآبائهم فسينزل (٨) بهم مثله ، وهو استئناف معناه تعليل النهي عن المرية ، وما في مما وكما مصدرية ، أو
__________________
(١) لم أجده.
(٢) الانشقاق ، ٨٤ / ٢٥.
(٣) الجهمية : أصحاب جهم بن صفوان السمرقندي ، أبو محرز ، من موالي بني راسب ، ومن عقائدهم أن الجنة والنار تفنيان بعد دخول أهلهما فيهما ، وقتل جهم في آخر ملك بني أمية (ـ عام ١٢٨ ه ـ) (الملل والنحل الباب الأول ـ الفصل الثاني ، الأعلام ٢ / ١٤١).
(٤) الرعد ، ١٣ / ٣٥.
(٥) النحل ، ١٦ / ٩٦.
(٦) الواقعة ، ٥٦ / ٣٣.
(٧) في (ز) أنزل عليك.
(٨) في (ظ) و (ز) فسينزلن.