(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (١٢٣) وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) (١٢٤)
الكافة عن أوطانهم لطلب العلم غير صحيح للإفضاء إلى المفسدة (فَلَوْ لا نَفَرَ) فحين لم يكن نفير الكافة فهلّا نفر (مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ) أي من كلّ جماعة كثيرة جماعة قليلة منهم يكفونهم النفير (لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ) ليتكلّفوا الفقاهة فيه ويتجشّموا المشاقّ في تحصيلها (وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ) وليجعلوا مرمى همتهم في التفقه إنذار قومهم وإرشادهم (إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ) دون الأغراض الخسيسة من التصدّر والترؤس والتشبّه بالظلمة في المراكب والملابس (لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) ما يجب اجتنابه ، وقيل إنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان إذا بعث بعثا بعد غزوة تبوك بعد ما أنزل في المتخلّفين من الآيات الشداد استبق المؤمنون عن آخرهم إلى النفير وانقطعوا جميعا عن التفقه في الدين ، فأمروا أن ينفر من كلّ فرقة منهم طائفة إلى الجهاد ويبقى سائرهم يتفقهون حتى لا ينقطعوا عن التفقه الذي هو الجهاد الأكبر ، إذ الجهاد بالحجاج أعظم أثرا من الجهاد بالنصال ، والضمير في ليتفقهوا للفرق الباقية بعد الطوائف النافرة من بينهم ، ولينذروا قومهم ولينذر الفرق الباقية قومهم النافرين إذا رجعوا إليهم بما حصّلوا في أيام غيبتهم من العلوم ، وعلى الأول الضمير للطائفة النافرة إلى المدينة للتفقه.
١٢٣ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ) يقربون منكم (مِنَ الْكُفَّارِ) القتال واجب مع جميع الكفرة قريبهم وبعيدهم ، ولكن الأقرب فالأقرب أوجب ، وقد حارب النبيّ صلىاللهعليهوسلم قومه ثم غيرهم من عرب الحجاز ، ثم الشام ، والشام أقرب إلى المدينة من العراق وغيره ، وهكذا المفروض على أهل كلّ ناحية أن يقاتلوا من وليهم (وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً) شدة وعنفا في المقال قبل القتال (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) بالنّصرة والغلبة.
١٢٤ ـ (وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ) ما صلة (١) مؤكدة (فَمِنْهُمْ) فمن المنافقين (مَنْ يَقُولُ) بعضهم لبعض (أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ) السورة (إِيماناً) إنكارا واستهزاء بالمؤمنين ، وأيكم مرفوع بالابتداء ، وقيل هو قول المؤمنين للحثّ والتنبيه (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً) يقينا وثباتا ، أو خشية أو إيمانا بالسورة ، لأنهم لم يكونوا
__________________
(١) ما صلة : قليلة (القاموس ٤ / ٥١) ولعلها فاصلة أي قاطعة باتة.