(وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٩٨) وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللهِ وَصَلَواتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٩٩)
وقسوتهم وبعدهم عن العلم والعلماء (وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا) وأحقّ بأن لا يعلموا (حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ) يعني حدود الدين وما أنزل الله من الشرائع والأحكام ، ومنه قوله عليهالسلام : (إنّ الجفاء والقسوة في الفدّادين) (١) يعني الأكرة لأنهم يفدّون أي يصيحون في حروثهم والفديد الصياح (وَاللهُ عَلِيمٌ) بأحوالهم (حَكِيمٌ) في إمهالهم.
٩٨ ـ (وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ) أي يتصدق (مَغْرَماً) غرامة وخسرانا لأنه لا ينفق إلا تقيّة من المسلمين ورياء لا لوجه الله وابتغاء المثوبة عنده (وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ) أي دوائر الزمان وتبدّل الأحوال بدور الأيام لتذهب غلبتكم عليه فيتخلّص من إعطاء الصدقة (عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ) أي عليهم تدور المصائب والحروب التي يتوقعون وقوعها في المسلمين. السّوء مكي وأبو عمرو وهو العذاب ، والسّوء بالفتح ذم للدائرة كقولك رجل سوء في مقابلة قولك رجل صدق (وَاللهُ سَمِيعٌ) لما يقولون إذا توجّهت عليهم الصّدقة (عَلِيمٌ) بما يضمرون (٢).
٩٩ ـ (وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ) في الجهاد والصدقات (قُرُباتٍ) أسبابا للقربة (عِنْدَ اللهِ) وهو مفعول ثان ليتّخذ (وَصَلَواتِ الرَّسُولِ) أي دعاءه لأنه عليهالسلام كان يدعو للمتصدّقين بالخير والبركة ويستغفر لهم كقوله : (اللهم صل على آل أبي أوفى) (٣) (أَلا إِنَّها) أي النفقة أو صلوات الرسول (قُرْبَةٌ لَهُمْ) قربة نافع ، وهذا شهادة من الله للمتصدّق بصحة ما اعتقد من كون نفقته قربات وصلوات ، وتصديق لرجائه على طريق الاستئناف مع حرفي التنبيه والتحقيق المؤذنين بثبات الأمر وتمكّنه ، وكذلك (سَيُدْخِلُهُمُ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ) أي جنّته ، وما في السين من تحقيق الوعد ، وما أدلّ هذا الكلام على رضا الله عن المتصدقين ، وأنّ الصدقة منه بمكان إذا خلصت النية من صاحبها (إِنَّ اللهَ
__________________
(١) متفق عليه من حديث أبي موسى الأشعري.
(٢) في (ز) يضمرونه.
(٣) متفق عليه من حديث عبد الله بن أبي أوفى.