(فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (٥٧) وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ (٥٨) وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ) (٥٩)
الذين كفروا ، وجعلهم شرّ الدواب ، لأنّ شرّ الناس الكفار وشرّ الكفار المصرّون ، وشرّ المصرّين الناكثون للعهود (ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ) في كلّ معاهدة (وَهُمْ لا يَتَّقُونَ) لا يخافون عاقبة الغدر ولا يبالون بما فيه من العار والنار.
٥٧ ـ (فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ) فإمّا تصادفنّهم وتظفرنّ بهم (فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ) ففرّق عن محاربتك ومناصبتك بقتلهم شرّ قتلة والنكاية فيهم من وراءهم من الكفرة حتى لا يجسر عليك بعدهم أحد اعتبارا بهم واتعاظا بحالهم. وقال الزجّاج : افعل بهم ما تفرّق به (١) وتطرد به من عداهم (لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) لعلّ المشردين من ورائهم يتعظون.
٥٨ ـ (وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ) معاهدين (خِيانَةً) نكثا بأمارات تلوح لك (فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ) فاطرح إليهم العهد (عَلى سَواءٍ) على استواء منك ومنهم في العلم لنقض (٢) العهد ، وهو حال من النابذ والمنبوذ إليهم ، أي حاصلين على استواء في العلم (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ) الناقضين للعهود.
٥٩ ـ (وَلا يَحْسَبَنَ) بالياء وفتح السين شامي وحمزة ويزيد وحفص ، وبالتاء وفتح السين أبو بكر ، وبالتاء وكسر السين غيرهم (الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا) فاتوا وأفلتوا من أن يظفر بهم (إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ) إنهم لا يفوتون ولا يجدون طالبهم عاجزا عن إدراكهم ، أنهم شامي ، أي لأنهم ، وكلّ واحدة من المكسورة والمفتوحة تعليل ، غير أنّ المكسورة على طريقة الاستئناف والمفتوحة تعليل صريح ، فمن قرأ بالتاء فالذين كفروا مفعول أول والثاني سبقوا ، ومن قرأ بالياء فالذين كفروا فاعل وسبقوا مفعول تقديره أن سبقوا فحذف أن ، وأن مخففة من الثقيلة ، أي أنهم سبقوا فسدّ مسدّ المفعولين ، أو يكون الفاعل مضمرا ، أي ولا يحسبنّ محمد الكافرين سابقين ، ومن ادعى تفرّد حمزة بالقراءة ففيه نظر لما بيناه من عدم تفرّده بها ، وعن الزهريّ أنها نزلت فيمن أفلت من فلّ المشركين (٣).
__________________
(١) زاد في (ز) جمعهم.
(٢) في (ظ) و (ز) بنقض.
(٣) في القاموس (٤ / ٣٢) قوم فلّ : منهزمون.