(قالَ يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (١٤٤) وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْها بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ) (١٤٥)
وقال الكعبيّ (١) والأصمّ (٢) معنى قوله أرني أنظر إليك أرني آية أعلمك بها بطريق الضرورة كأني أنظر إليك ، لن تراني لن تطيق معرفتي بهذه الصفة ، ولكن انظر إلى الجبل فإني أظهر له آية فإن ثبت الجبل لتجلّيها واستقرّ مكانه فسوف تثبت لها وتطيقها وهذا فاسد ، لأنه قال أرني أنظر إليك ولم يقل إليها ، وقال لن تراني ولم يقل لن ترى آيتي ، وكيف يكون معناه لن ترى آيتي وقد أراه أعظم الآيات حيث جعل الجبل دكا؟.
١٤٤ ـ (قالَ يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ) اخترتك على أهل زمانك (بِرِسالاتِي) هي أسفار التوراة ، برسالتي حجازي (وَبِكَلامِي) وبتكليمي إياك (فَخُذْ ما آتَيْتُكَ) أعطيتك من شرف النبوة والحكمة (وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) على النعمة في ذلك ، فهي من أجلّ النعم ، قيل خرّ موسى صعقا يوم عرفة ، وأعطي التوراة يوم النحر ، ولما كان هارون وزيرا وتابعا لموسى تخصّص الاصطفاء بموسى عليهالسلام.
١٤٥ ـ (وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ) ألواح (٣) التوراة جمع لوح ، وكانت عشرة ألواح ، وقيل سبعة ، وكانت من زمرد ، وقيل من خشب نزلت من السماء فيها التوراة (مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) في محل النصب على أنه مفعول كتبنا (مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ) بدل منه ، والمعنى كتبنا له كلّ شيء كان بنو إسرائيل محتاجين إليه في دينهم من المواعظ وتفصيل الأحكام ، وقيل أنزلت التوراة وهي سبعون وقر (٤) بعير لم يقرأها كلّها إلا أربعة نفر موسى ويوشع وعزير وعيسى (فَخُذْها) فقلنا له خذها عطفا على كتبنا ، والضمير للألواح أو لكلّ شيء ، لأنه في معنى الأشياء (بِقُوَّةٍ) بجد وعزيمة ، فعل أولي العزم من الرسل (وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها) أي فيها ما هو حسن وأحسن كالقصاص والعفو والانتصار والصبر ، فمرهم أن يأخذوا بما هو أدخل في
__________________
(١) الكعبي : هو عبد الله بن أحمد بن محمود الكعبي البلخي ، رأس المعتزلة ورئيسهم وإليه تنتمي فرقة الكعبية. (الأنساب للسمعاني ٥ / ٨٠).
(٢) الأصم : محمد بن يعقوب بن يوسف بن معقل بن سنان الأموي بالولاء ، أبو العباس الأصم ، محدث من أهل نيسابور ، كان يورّق ويأكل من كسب يده ، ولد عام ٢٤٧ ه ومات ٣٤٦ ه (الأعلام ٧ / ١٤٥).
(٣) في (ز) الألواح.
(٤) وقر : حمل.