على جواز الرؤية ، فإنّ موسى عليهالسلام اعتقد أنّ الله تعالى مرئيّ (١) حتى سأله واعتقاد جواز ما لا يجوز على الله كفر (قالَ لَنْ تَرانِي) بالسؤال بعين فانية بل بالعطاء ، والنوال بعين باقية ، وهو دليل لنا أيضا لأنه لم يقل لن أرى ليكون نفيا للجواز ، ولو لم يكن مرئيا لأخبر بأنه ليس بمرئيّ ، إذ الحالة حالة الحاجة إلى البيان (وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ) بقي على حاله (فَسَوْفَ تَرانِي) وهو دليل لنا أيضا لأنه علّق الرؤية باستقرار الجبل وهو ممكن ، وتعليق الشيء بما هو ممكن يدلّ على إمكانه ، كالتعليق بالممتنع يدلّ على امتناعه ، والدليل على أنه ممكن قوله (جَعَلَهُ دَكًّا) ولم يقل اندكّ ، وما أوجده تعالى كان جائزا أن لا يوجد لو لم يوجده ، لأنه مختار في فعله ، ولأنه تعالى ما أيأسه (٢) عن ذلك ولا عاتبه عليه ، ولو كان ذلك محالا لعاتبه كما عاتب نوحا عليهالسلام بقوله : (إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) (٣) حيث سأل إنجاء ابنه من الغرق (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ) أي ظهر وبان ظهورا بلا كيف ، قال الشيخ أبو منصور رحمهالله : معنى التجلي للجبل ما قال (٤) الأشعري إنه تعالى خلق في الجبل حياة وعلما ورؤية حتى رأى ربّه ، وهذا نص في إثبات كونه مرئيا ، وبهذه الوجوه يتبين جهل منكري الرؤية ، وقولهم بأنّ موسى عليهالسلام كان عالما بأنه لا يرى ولكن طلب قومه أن يريهم ربّه كما أخبر الله تعالى عنهم بقوله : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً) (٥) فطلب الرؤية ليبيّن الله تعالى أنه ليس بمرئي باطل (٦) ، إذ لو كان كما زعموا لقال أرهم ينظروا إليك ، ثم يقول له لن يروني ، ولأنها لو لم تكن جائزة لما أخّر موسى عليهالسلام الردّ عليهم بل كان يردّ عليهم وقت قرع كلامهم سماعه (٧) لما فيه من التقرير على الكفر وهو عليهالسلام بعث لتغييره لا لتقريره ، ألا ترى أنهم لما قالوا له (اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ) لم يمهلهم بل ردّ عليهم من ساعته بقوله : (إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ جَعَلَهُ دَكًّا) مدكوكا مصدر بمعنى مفعول (٨) ، كضرب الأمير ، والدقّ والدكّ أخوان. دكّاء ، حمزة وعليّ ، أي مستوية بالأرض لا أكمة فيها ، ناقة دكاء لا سنام لها (وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً) حال ، أي سقط مغشيا عليه (فَلَمَّا أَفاقَ) من صعقته (قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ) من السؤال في الدنيا (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) بعظمتك وجلالك أو بأنك لا تعطي الرؤية في الدنيا مع جوازها ،
__________________
(١) في (ز) يرى.
(٢) في (ز) آيسه.
(٣) هود ، ١١ / ٤٦.
(٤) في (ز) قاله.
(٥) البقرة ، ٢ / ٥٥.
(٦) باطل : أي قول قوم موسى عليهالسلام.
(٧) في (ز) سمعه.
(٨) في (ز) مصدر بمصدر بمعنى المفعول.