(وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (٢٢) وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (٢٣) وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (٢٤))
قوله (وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ) [٢٢] عطف على جواب القسم ، أي أقسم بالأشياء المذكورة أن صاحبكم الذي يدعوكم إلى الإيمان بالقرآن ليس بمجنون كما زعمتم ، فهو رد لقولهم إنك لمجنون (وَلَقَدْ رَآهُ) أي رأى محمد جبرائيل عليهماالسلام (بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ) [٢٣] صورته الأصلية بالأفق الأعلى بجانب الشرق (وَما هُوَ) أي ما محمد صلىاللهعليهوسلم (١)(عَلَى الْغَيْبِ) أي على الوحي من الله (بِضَنِينٍ) [٢٤] بالضاد ، أي ببخيل يكتم شيئا مما أوحي إليه ، وقرئ بالظاء (٢) ، أي بمتهم فينقص شيئا من الوحي أو يزيد عليه ، قيل : لابد للقارئ أن يفصل بين الضاد والظاء بالمخرج ، إذ لو استوى الحرفان لما اختلف المعنى ولما ثبت القراءتان عند أئمة السبعة (٣).
(وَما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ (٢٥) فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (٢٦) إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (٢٧) لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (٢٨) وَما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٢٩))
(وَما هُوَ) أي القرآن ليس (بِقَوْلِ شَيْطانٍ) مسترق للسمع (رَجِيمٍ) [٢٥] أي مرجوم مطرود (فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ) [٢٦] أي تعرضون عن القرآن أيها الكافرون بالله ، وفيه شفاء لما في الصدور من الجهل والعمى (إِنْ هُوَ) أي ما القرآن (إِلَّا ذِكْرٌ) أي عظة (لِلْعالَمِينَ) [٢٧] أي للجن والإنس ، قوله (لِمَنْ شاءَ) بدل من (لِلْعالَمِينَ) ، أي عظة لمن شاء (مِنْكُمْ) يا كفار مكة (أَنْ يَسْتَقِيمَ) [٢٨] بالدخول في دين الحق واتباعه ، فقال المشركون بعد نزول هذه الآية الأمر إلينا إن شئنا استقمنا وإن شئنا لم نستقم ، فقال تعالى (وَما تَشاؤُنَ) أي الاستقامة (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) [٢٩] بتوفيقه ، فأعلمهم بذلك أن الأمور كلها بمشية الله تعالى في التوفيق والخذلان.
__________________
(١) صلىاللهعليهوسلم ، وي : ـ ح.
(٢) «بضنين» : قرأ المكي والبصري ورويس والكسائي بالظاء ، والباقون الضاد. البدور الزاهرة ، ٣٣٨.
(٣) لعله اختصره من الكشاف ، ٦ / ٢١٤.