سورة سجدة المؤمن (فصلت)
مكية
قيل : نزل أولها إلى قوله (فَإِنْ أَعْرَضُوا)(١) الآية حين قالوا يا محمد فرقت قومك بأمر عظيم جئت به وعبت آلهتهم فان ترد به مالا كثيرا نعطه لك وإن ترد شرفا شرفناك علينا وإن تر جنيا نداوك منه (٢) فقال :
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
(حم (١) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٢) كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٣) بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (٤))
(حم) [١] أي ب (حم) يا محمد (تَنْزِيلٌ) أي قرآن منزل (مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ [٢] كِتابٌ فُصِّلَتْ) أي بينت (آياتُهُ) أي أحكامه من الحلال والحرام والمواعظ والقصص ، ف (تَنْزِيلٌ) مبتدأ موصف بما بعده ، خبره (كِتابٌ) ، قوله (قُرْآناً عَرَبِيًّا) نصب على الحال ، أي فصلت آياته في حال كونه مقروؤا عربيا ، أي بلسان العرب (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) [٣] متعلق لقول (فُصِّلَتْ) ، أي يدركون ما فيه بلسانهم وهم العرب ، لأنه نزل بلغتهم فيفهمونه ولو كان غير عربي لم يفهموه (بَشِيراً وَنَذِيراً) أي قرآنا بشيرا للمؤمنين بالجنة ونذيرا للكافرين بالنار (فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ) أي أكثر أهل مكة (فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) [٤] أي لا يقبلون.
(وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ (٥))
(وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ) وهو أبلغ من قوله على قلوبنا أكنة لكون القلوب مظروفة ، أي في أغطية لا نفقه (مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ) من التوحيد (وَفِي آذانِنا وَقْرٌ) أي ثقل لا نسمع (وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ) «مِنْ» فيه للابتداء يفيد الإحاطة بالحجاب ، أي ستر حاجز قوي يمنع الفهم وهو الخلاف في الدين (فَاعْمَلْ) يا محمد في إبطال أمرنا (إِنَّنا عامِلُونَ) [٥] في إبطال أمرك لا نؤمن ولا نتبع دينك.
(قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (٦) الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (٧))
(قُلْ) أي قال الله تعالى للنبي عليهالسلام قل لهم (إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) في بالبشرية وأنا (٣) فضلت عليكم من بينكم بأن (يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) وصح ذلك بالبراهين فصح أني نبي إذ الوحي بالرسالة مختص بالأنبياء فوجب عليكم اتباعي (فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ) أي إلى الله بالإيمان والتوحيد ولا تعدلوا عنه إلى عبادة غيره بالتعلل الكذب (وَاسْتَغْفِرُوهُ) من الشرك (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ [٦] الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ) بأمره تعالى ، بل هم (٤) ينكرون بها ووجه تخصيص منع الزكوة بكفرهم أن المال أحب شيء لهم فاذا بذله أحد في سبيل الله بأمره فهو
__________________
(١) فصلت (٤١) ، ١٣.
(٢) عن محمد بن القرظي ، انظر السمرقندي ، ٣ / ١٧٦ ـ ١٧٧.
(٣) وأنا ، وي : وإنما ، ح.
(٤) بل هم ، ح و : بأنهم ، ي.