(قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً (١٠٧))
(قُلْ) يا محمد تهديدا لهم (آمِنُوا بِهِ) أي بالقرآن (أَوْ لا تُؤْمِنُوا) به ، فان الله غني عنكم وعن إيمانكم ، وفيه أمر له عليهالسلام بالإعراض عنهم لاحتقارهم شأنهم ، ثم أخبر توبيخا لهم وتعييرا بأن خيرا منهم وأفضل من علماء أهل الكتاب ، قد آمنوا به وصدقوه وثبت عندهم أنه النبي العربي الموعود في كتبهم ، فاذا تلي القرآن عليهم خروا سجدا لله تعظيما لأمره بقوله (إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) وهو في معنى التعليل ل (آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا) ، أي لأنهم أعطوا علم كتابهم وهم مؤمنو أهل الكتاب (مِنْ قَبْلِهِ) أي قبل القرآن أو قبل محمد عليهالسلام (إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ) أي يعرض عليهم القرآن فيعرفونه (يَخِرُّونَ) أي يسقطون (لِلْأَذْقانِ) أي على الوجوه ، فاللام بمعنى «على» أو المعنى : يجعلون الخرور مختصا بأذقانهم ، فاللام للاختصاص وخصت «الأذقان» بالذكر لأنها أقرب شيء من الوجه إلى الأرض ، وهي جمع ذقن ، والذقن ملتقى اللحيين (١)(سُجَّداً) [١٠٧] أي ساجدين شاكرا لله تعالى.
(وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً (١٠٨))
(وَيَقُولُونَ) في السجود (سُبْحانَ رَبِّنا) أي ننزهه تنزيها من الشرك ومن كل نقص في واحدانيته (إِنْ كانَ) أي إن الشأن كان (وَعْدُ رَبِّنا) الذي وعده بأن يبعث محمدا نبيا من العرب (لَمَفْعُولاً) [١٠٨] أي لكائنا حقا.
(وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً (١٠٩))
(وَيَخِرُّونَ) أي ويسقطون (لِلْأَذْقانِ) أي على وجوههم (يَبْكُونَ) نصب على الحال من ضمير (يَخِرُّونَ (وَيَزِيدُهُمْ) نزول القرآن (خُشُوعاً) [١٠٩] أي خضوعا لربهم أو لين القلب ورطوبة العين ، قيل : من أوتي من العلم ما لا يبكيه لخليق أن لا يكون أوتي علما ينفعه (٢) ، وروي عن النبي صلىاللهعليهوسلم : «لا يلج من بكى من خشية الله تعالى» (٣) ، وكرر الخرور للأذقان فيه لاختلاف الحالين ، حال السجود وحال البكاء.
(قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً (١١٠))
قوله (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ) نزل حين قال أهل الكتاب أنك لتقل ذكر الرحمن وقد أكثر الله في التورية هذا الاسم (٤) ، فقال تعالى قل يا محمد سموا ربكم الله أو سموه الرحمن ، فالدعاء بمعنى التسمية لا بمعنى النداء ، وإلا يلزم تعدد الآلهة ، ويجوز أن يكون نصب (اللهَ) و (الرَّحْمنَ) على نزع الخافض ، تقديره : نادوا ربكم بالله أو بالرحمن فلا يلزم ذلك وهو يتعدى إلى مفعولين مثل دعوته زيدا وقد يذكر أحدهما ويترك الآخر استغناء عنه نحو دعوت زيدا أي سميته زيدا ، و (أَوِ) فيه للتخيير ، وقيل : نزل حين قال أبو جهل ينهانا محمد عن آلهتنا وهو يدعو إلهين (٥) ، فقال تعالى (أَيًّا ما تَدْعُوا) أي أي هذين الاسمين سميتم أو ذكرتم (فَلَهُ) أي فلمسمى هذين الاسمين (الْأَسْماءُ الْحُسْنى) أي الصفات العلى ، فهذان الاسمان منها فيكونان حسنين و (أَيًّا) كلمة استفهام وشرط ، عمل فيها (تَدْعُوا) لاقتضائه مفعولا و (ما) زائدة لتأكيد الإبهام في «أي» ، و (تَدْعُوا) مجزوم ب «أي» ، لأنه شرط جازم يقتضي جزاء ، وقوله (فَلَهُ) جزاؤه ، والضمير فيه يرجع إلى مسمى هذين الاسمين ، وهو ذاته تعالى لأن التسمية للذات لا للاسم ، والأصل : أيا ما تدعوا منهما فهو حسن ، فوضع موضعه قوله (فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) ، ومعنى كونه أحسن الأسماء أنها مستقلة بمعاني التحميد والتقديس
__________________
(١) اللحيين ، ب س : اللجبين ، م.
(٢) ولم أجد له أصلا في المصادر التي راجعتها.
(٣) أخرجه مسلم ، فضائل الجهاد ، ٨ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٣ / ٥٣٦.
(٤) عن الضحاك ، انظر الواحدي ، ٢٤٩ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٣ / ١٩٦ ؛ والسمرقندي ، ٢ / ٢٨٧.
(٥) عن ابن عباس ، انظر الواحدي ، ٢٤٩ ؛ والكشاف ، ٣ / ١٩٦ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٢ / ٢٨٧.