سورة الأنبياء
مكية
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
(اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (١))
قوله (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ) أي للمشركين (حِسابُهُمْ) أي اقترب منهم وقت حسابهم ، وهو يوم القيامة ، فاللام بمعنى من أو لتأكيد إضافة الحساب إليهم واتصف يوم القيامة بالقرب إما لأنه مقترب عند الله لأنه لا يخلف وعده وإما لأن كل آت وإن طالت أوقات استقباله قريب وإما لأن ما بقي من الدنيا أقصر مما سلف منها بدليل ختم النبوة بمحمد صلىاللهعليهوسلم ، نزل لتحذير منكري البعث من أهل مكة (١)(وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ) أي والحال أنهم في جهل عما يفعل بهم من الحساب والجزاء فيه (مُعْرِضُونَ) [١] عن الاستعداد لمقام الحساب أو معرضون عن تنبيه المنبه وهو القرآن.
(ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (٢))
(ما يَأْتِيهِمْ) أي المشركين (مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ) أي منزل شيئا بعد شيء وهو القرآن المنزل على الرسول آية بعد آية وسورة بعد سورة ليكرر على أسماعهم التنبيه والوعظ لعلهم يتعظون فيؤمنون (إِلَّا اسْتَمَعُوهُ) أي ما يأتيهم شيء من القرآن إلا استمعوه بالاستهزاء وهو معنى قوله (وَهُمْ يَلْعَبُونَ) [٢] حال من ضمير «استمعوا» ، أي يسخرون به.
(لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (٣))
(لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ) أي غافلة عما يراد منه بالتأمل والتبصر بقلوبهم حال أخرى لهم (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى) أي أخفوا التناجي بينهم في هدم أمره ، وبالغوا فيه بحيث لا يفطن أحد لتناجيهم (٢) ، قوله (الَّذِينَ ظَلَمُوا) بدل من واو (وَأَسَرُّوا) وهو قولهم (هَلْ هذا) أي ما محمد (إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) في المأكل والمشرب وكل ما يحتاج إليه البشر والموت (أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ) وهو معجزته ، لأنه ساحر ومعجزته سحر ، أي أتحضرون السحر (وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ) [٣] وتعاينون أنه سحر فاعتقدوا أن الرسول لا يكون إلا ملكا ، وإن من يدعي الرسالة وجاء بالمعجزة فهو ساحر ، فأسروا هذا الحديث كالتشاور فيما بينهم والتحاور في طلب الطريق في هدم أمره وفي تثبيط الناس عن الإيمان به.
(قالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٤))
قوله (قالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ) أمر للنبي صلىاللهعليهوسلم ، وقرئ «قال» بالألف (٣) إخبارا منه أن ربه يعلم القول ، أي السر
__________________
(١) نقل المؤلف هذا الرأي عن البغوي ، ٤ / ٤١.
(٢) لتناجيهم ، ح ي : تناجيهم ، و.
(٣) «قال» : قرأ حفص والأخوان وخلف بفتح القاف وألف بعدها وفتح اللام ، والباقون بضم القاف وحذف الألف وسكون اللام. البدور الزاهرة ، ٢١٠.