العصا وبياض اليد والجراد والقمل والضفادع والدم والطوفان ، ثم اختلف في الآيتين الاخرتين ، قال بعضهم : فلق البحر وانحلال العقدة التي كانت بلسانه ، وقال بعضهم : فلق البحر ونتق الجبل ، وقال بعضهم : السنون ونقص الثمارات (فَسْئَلْ) يا محمد (بَنِي إِسْرائِيلَ) أي من آمن منهم يخبرونك وهم عبد الله بن سلام وأصحابه عن آيات موسى لتزداد يقينا وطمأنينة قلب ، لأن الأدلة إذا تظاهرت كان ذلك أقوى وأثبت أو لتحتج به على من لم يؤمن منهم ويظهر كذبهم مع قومهم أو سلهم عن موسى وما جرى له مع فرعون (إِذْ جاءَهُمْ) أي حين جاء آباءهم موسى (فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ) لما جاء بالآيات (إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً) [١٠١] أي مغلوب العقل بالسحر ومصروفا عن الحق.
(قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلاَّ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً (١٠٢))
(قالَ) له موسى (لَقَدْ عَلِمْتَ) بضم التاء يخبر موسى عن نفسه ليس بمسحور كما قال فرعون وإن ما جاء به حق ، وبفتح التاء خطابا لفرعون (١) ، أي لقد علمت يا فرعون أني لست بمسحور لأني كنت في تربيتك ولم تكن رأيت مني شيئا يدل على ما قلت في حقي وعلمت (ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ) أي الآيات التسع (إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) وهو الله الخالق الرازق لأهلهما (بَصائِرَ) نصب على الحال من (هؤُلاءِ) ، جمع بصيرة وهو ما يبصر به الحق ، أي بينات مكشوفات على أني على الحق ولكنك معاند مكابر بعد ظهور الحق عندك (وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً) [١٠٢] أي هالكا مصروفا عن كل خير.
(فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً (١٠٣))
(فَأَرادَ) فرعون (أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ) ويخرج موسى وبني إسرائيل (مِنَ الْأَرْضِ) أي أرض مصر أو ينفيهم عن ظهر الأرض بالقتل والاستئصال فنزل به مكره (فَأَغْرَقْناهُ) أي فرعون (وَمَنْ مَعَهُ) من الكافرين (جَمِيعاً) [١٠٣] ونجينا موسى وقومه من الغرق.
(وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً (١٠٤))
(وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ) أي بعد هلاك فرعون (لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ) التي أراد أن يخرجكم فرعون منها وهي مصر أو الشام (فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ) أي قيام الساعة (جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً) [١٠٤] أي مجتمعين مختلطين أنتم وهم ثم نحكم بينكم ونميز السعداء والأشقياء منكم ، واللفيف الجمع الكثير من كل صنف.
(وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً (١٠٥))
ثم قال (وَبِالْحَقِّ) أي بالحكمة المقتضية لإنزاله (أَنْزَلْناهُ) أي القرآن (وَبِالْحَقِّ) أي وبتلك الحكمة (نَزَلَ) عليك ولم يتغير لاشتماله على الهداية إلى كل خير ، وقيل معناه : أنزلناه من السماء محفوظا بالملائكة الحرس ، ونزل عليك محفوظا من تخليط الشياطين (٢)(وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً) للناس بالجنة (وَنَذِيراً) [١٠٥] لهم من النار وليس عليك غير هذا من القسر والإكراه على الدين.
(وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً (١٠٦))
قوله (وَقُرْآناً) نصب ، يفسره (فَرَقْناهُ) بالتخفيف ، أي أنزلناه متفرقا بالنجوم ، يعني في أزمان مختلفة أو فرقناه بمعنى بيناه تبيانا أو جعلناه فارقا بين الحق والباطل (لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ) بضم الميم ، أي على مهل وترسل (وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً) [١٠٦] أي في ثلاث وعشرين سنة على حسب الحوادث.
__________________
(١) «علمت» : ضم الكسائي التاء وفتحها غيره. البدور الزاهرة ، ١٨٩.
(٢) أخذه المفسر عن الكشاف ، ٣ / ١٩٥.