سورة الحج
كلها مكية في رواية (١)
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
(يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (١))
(يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ) الآيتين نزلتا ليلا في غزوة بني المصطلق ، فقرأهما رسول الله صلىاللهعليهوسلم فلم ير باكيا أكثر من تلك الليلة من شدة الخوف (٢) ، أي احذروا عقابه وأطيعوا أمره ، ثم حث على التقوى بقوله (إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ) أي قيامها (شَيْءٌ عَظِيمٌ) [١] لا يوصف لعظمته ، والزلزلة التحرك الشديد بازعاج ، وإضافته إما إلى الفاعل ، فالساعة تحرك الأشياء أو إلى الظرف الأشياء تتحرك في الساعة ، قيل : هي إما في الدنيا أو في الآخرة (٣) ، وإنما وصفها بأهول (٤) صفة ليتصوروها بعقولهم فيتزودوا بالتقوى.
(يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللهِ شَدِيدٌ (٢))
(يَوْمَ تَرَوْنَها) أي تبصرون الزلزلة فجعل الناس جميعهم رائين لها ، لأن الرؤية تعلقت بالزلزلة فيعم الرؤية ، ونصب الظرف بقوله (تَذْهَلُ) أي تغفل وتتحير (كُلُّ مُرْضِعَةٍ) عن ما (أَرْضَعَتْ) من الولد فتترك إرضاعه في كون ثديها في فم الولد لشدة الأمر ولم يقل مرضع ليدل على حال الإرضاع بالتاء ، إذ المرضع هي التي من شأنها أن ترضع وإن لم تباشر الرضاع ، ومحل (تَذْهَلُ) نصب على الحال من المفعول (وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها) أي ولدها قبل تمامه خوفا ، وهذا يدل على أن الزلزلة في الدنيا ، ومن قال هي يوم القيامة جعل ذلك فرضا تهويلا لشأن الساعة ، قيل : «ينادي ملك من السماء يا أيها الناس أتى أمر الله فيسمع الصوت أهل الأرض جميعا ، وذلك قبل النفخة الأولى فنزلت الأرض وطارت القلوب وتضع الحوامل ما في بطونها» (٥)(وَتَرَى النَّاسَ) خطاب لكل واحد منهم من غير تعيين ، لأن الرؤية تعلقت بكون الناس على حال السكر ، فلا بد أن يجعل كل منهم رائيا لسائرهم ، أي تراهم (سُكارى) من الخوف (وَما هُمْ بِسُكارى) وقرئ «سكرى» فيهما (٦) ، أي ما هم بسكرى حقيقة بشراب لما شاهدوا من بساط العزة وسلطان الجبروت حتى ألجأ النبيين إلى أن قالوا نفسي نفسي فتراهم كالسكارى من شدة الخوف يدل عليه قوله (وَلكِنَّ عَذابَ اللهِ شَدِيدٌ) [٢] في ذلك اليوم.
__________________
(١) «وقال الجمهور : السورة مختلطة ، منها مكي ومنها مدني ، وهذا هو الأصح». انظر القرطبي ، ١٢ / ١.
(٢) أخذه المؤلف عن الكشاف ، ٤ / ٧٥.
(٣) لعله اختصره من البغوي ، ٤ / ٩٤ ، ٩٥.
(٤) بأهول ، و : بأكمل ، ح ي ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٤ / ٧٥.
(٥) ذكر مقاتل نحوه ، انظر السمرقندي ، ٢ / ٣٨٤.
(٦) «سكارى» ، «بسكارى» : قرأ الأخوان وخلف بفتح بالسين وإسكان الكاف من غير ألف ، والباقون بضم السين وفتح الكاف وبعدها ألف فيهما. البدور الزاهرة ، ٢١٣.