سورة مريم
مكية سوى سجدتها (١)
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
(كهيعص (١))
قوله (كهيعص) [١] قسم أقسم به الله تعالى أو هو اسم من أسمائه الحسنى أو هو اسم السورة ، والمعنى : اقرأ كهيعص أو إنه مركب من حروف ، يشير كل منها إلى صفة من صفاته العظمى ، قال ابن عباس رضي الله عنه معناه : «باسم الله الكافي الهادي المبسوط اليد بالرزق العالم الصادق في وعده ووعيده» (٢) ، قرئ بفتح الهاء والياء وبكسرهما ، وبفتح الهاء وكسر الياء ، وبالعكس وبين الكسر والفتح ، وباظهار دال صاد وإدغامه في ذال (٣).
(ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (٢) إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا (٣))
(ذِكْرُ) خبر مبتدأ محذوف أي هذا المتلو ذكر (رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ) أي ذكر ربك عبده (زَكَرِيَّا) [٢] للرحمة ثم أضيف (ذِكْرُ) إلى (رَحْمَتِ) فاعلا اتساعا ، تقديره : ان ذكرت رحمة ربك عبده ، و (زَكَرِيَّا) بدل من (عَبْدَهُ).
(إِذْ نادى) ظرف لل (ذِكْرُ) ، أي دعا (رَبَّهُ) أن يرزقه ولدا من صلبه صالحا يقتدى به في إحياء الدين (نِداءً خَفِيًّا) [٣] أي سرا لكونه أسرع للإجابة وأبعد من الرياء وأدخل في الإخلاص ، وقيل : إخفاؤه لئلا يلام على طلب الولد في سن الكبر (٤).
(قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (٤))
(قالَ رَبِّ) أي يا مالكي (إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي) أي ضعف عظمي مع صلابته فما سواه أولى بالضعف وإنما وحده قصدا للجنسية الشاملة على كل أفراد ، ولو جمع لخرج بعض العظام عن الوهن (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) أي شاب شعر رأسي ، شبه الشيب بشواظ النار في بياضه وانتشاره في الشعر ، ثم نسب الاشتعال إلى مكان الشعر وهو الرأس ، وجعل الشيب نصبا على التمييز رفعا لإبهام (٥) في نسبة الاشتعال إلى الرأس ولم يضف الرأس إليه اكتفاء بعلم المخاطب أنه رأس زكريا ، تقديره : اشتعل شيب رأسي (وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا) [٤] أي خائنا هذا توسل منه إلى ربه بما مضى الله معه من استجابة دعائه قبل ، فالمعنى (٦) : يا رب قد عودتني الإجابة فيما مضى فأجب هذا الدعاء مني أيضا ولا تخيبني فيه.
(وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (٥))
(وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ) أي جور من يلي أمر الخلافة (مِنْ وَرائِي) بفتح الياء وسكونها مع المد والهمز فيهما (٧) ،
__________________
(١) انظر مريم (١٩) ، ٥٨.
(٢) انظر السمرقندي ، ٢ / ٣١٧ ـ ٣١٨.
(٣) «كهعيص» : أجمع القراء على مد كاف وصاد مدا مشبعا لأجل الساكن ، وأجمعوا على قصرها ويا لعدم وجود الساكن ، واختلفوا في عين ، فذهب بعض أهل الأداء إلى الإشباع لالتقاء السكانين وذهب البعض إلى التوسط لقصور حرف اللين عن حرف المد واللين وهذان الوجهان جائزان لكل من القراء العشرة. البدور الزاهرة ، ١٩٧.
(٤) أخذه المؤلف عن الكشاف ، ٤ / ٢.
(٥) لإبهام ، وي : للإبهام ، ح.
(٦) فالمعنى ، وي : المعنى ، ح.
(٧) «من ورائي» : فتح الياء المكي وأسكنها غيره. البدور الزاهرة ، ١٩٧.