والتعظيم ، قيل : كان المشركون إذا سمعوا أذكار رسول الله عليهالسلام أو قراءته في الصلوة لغوا وسبوا (١) ، لأنه كان يرفع صوته بها فأمر بالخفض بقوله (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ) أي قراءتك في صلوتك (وَلا تُخافِتْ بِها) أي ولا تخفها عن أصحابك لينتفعوا بقراءتك (وَابْتَغِ) صلىاللهعليهوسلم أي واطلب (بَيْنَ ذلِكَ) أي بين فعلك من الرفع والخفض (سَبِيلاً) [١١٠] أي طريقا وسطا بأن تجهر بصلوة الليل وتخافت بصلوة النهار ، وقيل : معنى (بِصَلاتِكَ) بدعائك (٢) ، لأن الصلوة تستعمل بمعنى الدعاء ، وقيل : الآية نسخت بقوله (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً)(٣).
(وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً (١١١))
(وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) أمر للنبي عليهالسلام بأن يحمد الله على وحدانيته ، لأنه المنعم لكل نعمة ظاهرة وباطنة لا غير ، وصفه بقوله (الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً) إذ لا جنس له (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ) إذ لا مثل له فلا يعازه (٤) في عظمته (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ) أي ناصر ينصره (مِنَ الذُّلِّ) أي من أن يعرض له المذلة ، لأنه منزه عنه ، فلا يحتاج إلى الناصر ، قيل : كيف لاق هذا الوصف النافي للأشياء المذكورة بكلمة التحميد؟ أجيب بأن الموصوف به هو الواحد القاهر القادر على إيلاء كل نعمة ، فهو المستحق لكل حمد (٥) ، فحمده (وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً) [١١١] أي بالغ في تعظيمه على قدر معرفتك ، فنزهه كما نزه نفسه عن اتخاذ الولد والشريك والولي من الذل ، قال صلىاللهعليهوسلم : «أول ما يدعى إلى الجنة يوم القيامة الذين يحمدون الله في السراء والضراء» (٦).
وقال صلىاللهعليهوسلم : «إن أفضل الدعاء الحمد لله وأفضل الذكر لا إله إلا الله» (٧) ، وقال صلىاللهعليهوسلم : «أحب الكلام إلى الله أربع : لا إله إلا الله ، والله أكبر ، وسبحان الله ، والحمد لله ، لا يضرك بأيهن بدأت» (٨) ، روي : أن رجلا جاء إلى النبي عليهالسلام فقال : يا رسول الله! إني رجل كثير الدين ، كثير الهم ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم له : اقرؤا آخر بني إسرائيل «قل ادعوا الله» حتى تختم ، ثم قل توكلت على الحي الذي لا يموت ثلاث مرات» (٩) ، وهذه الآية تسمى آية العزة ، وكان النبي عليهالسلام يعلمها الصغير إذا فصح من بني عبد المطلب ، أي جاد في الكلام الحمد لله أنعم علينا وهدانا إلى الإسلام وصلّى الله على سيدنا محمد وآله أجمعين (١٠).
__________________
(١) عن ابن عباس ، انظر الواحدي ، ٢٤٩ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٢ / ٢٨٧ ؛ والواحدي ، ٣ / ٥٣٧.
(٢) أخذه عن الكشاف ، ٣ / ١٩٦ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٣ / ٥٣٧.
(٣) الأعراف (٧) ، ٥٥. أخذه عن الكشاف ، ٣ / ١٩٦ ؛ وانظر أيضا النحاس ، ١٨٣ ؛ وهبة الله بن سلامة ، ٦١.
(٤) فلا يعازه ، ب م : فلا يعانه ، س.
(٥) نقله المصنف عن الكشاف ، ٣ / ١٩٧.
(٦) انظر البغوي ، ٣ / ٥٣٨. ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث الصحيحة التي رجعتها.
(٧) رواه الترمذي ، الدعاء ، ٩ ؛ وابن ماجة ، الأدب ، ٥٥ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٣ / ٥٣٨.
(٨) انظر البغوي ، ٣ / ٥٣٨. ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث المعتبرة التي رجعتها.
(٩) انظر السمرقندي ، ٢ / ٢٨٧. ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث المعتبرة التي رجعتها.
(١٠) وهذا منقول عن الكشاف ، ٣ / ١٩٧.